كتاب

ركوب الموجة!

كشفت الحرب على غزة وتداعياتها نماذج جديدة من الانتهازية السياسية، فيما يمكن اعتباره «ركوب الموجة»، وكما هو معروف تتعدد نماذج البشر في الحياة، بينها النزيه والخلوق والمستقيم، وهناك من هم أدنى بكثير بضمنهم الانتهازي والوصولي والمنافق، وهي صفات تندرج في أدنى سلم مستويات البشر، وهم متلونون كالحرباء تجدهم في الصفوف الأولى يصفقون لمن لهم مصلحة معه، ولا يعنيهم الاهتمام بالمبادئ أو العواقب التي تنعكس على الآخرين، ويعتمد هؤلاء في سلوكهم بالحياة النظرية الميكافيلية الشهيرة «الغاية تبرر الوسيلة»، وذلك يعني وضع المصلحة الشخصية في سلم الأولويات، بغض النظر عن وسيلة الوصول الى الهدف!

والانتهازية ليست جديدة في الحياة، بل ظهرت عبر التاريخ وتطورت مع المتغيرات التي حدثت في المجتمعات الانسانية، وخاصة مع ظهور انظمة الحكم المختلفة، حيث برزت فئة من الناس تتكسب وتبحث عن منافع شخصية على حساب فئات المجتمع الأخرى، من خلال النفاق الاجتماعي أو للمسؤول!

واذا كانت الانتهازية مرتبطة بالسياسة، لكنها أيضا كانت محور الاهتمام في الاعمال الثقافية والأدبية، وأشار اليها الأديب المصري الشهير نجيب محفوظ في رواية «اللص والكلاب»، حيث دفعت الانتهازية والنفعية والأنانية الصحافي «رؤوف علوان» الى احتلال موقع كبير في أشهر الصحف الحكومية، وعن طريق الانتهازية صعد فوق قمة المجد والشهرة والثروة، وانضم إلى فئة الأغنياء الذين كان بالأمس يهاجمهم بمقالاته الصحفية!

ولم تعد الانتهازية تنحصر في سلوك الافراد بل أصبحت تشمل أيضا قوى وأحزابا سياسية، تنتهج سلوكيات انتهازية تناقض مبادئها وبرامجها السياسية، وربما كشفت الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، بعد عملية «طوفان الاقصى» التي نفذتها كتائب القسام التابعة لحركة حماس في 7 اكتوبر 2023 الكثير من هذه النماذج.

فغالبية القوى والاحزاب السياسية اليسارية والعلمانية وحتى الليبرالية، التي كانت تصنف ايديولوجياً ضمن خصوم حركة حماس، بسبب مرجعيتها التي تعود الى جماعة الاخوان المسلمين، هذه القوى بدأت تمتدح وتشيد ببطولات المقاومة الحمساوية وصمودها الاسطوري، في مواجهة حرب الابادة الجماعية التي يشنها جيش الاحتلال على قطاع غزة، وبالاضافة الى ذلك أخذت هذه القوى اليسارية والعلمانية وربما بعضها ملحدة، تتغزل بنظام ولاية الفقيه الحاكم في ايران، رغم التناقض الايديولوجي الصارخ بين تلك القوى والاحزاب، وبين نظام الملالي الذي يصنف ضمن الأنظمة الدينية الثيوقراطية، وهو نوع من الفاشية الدينية، حيث يحكم هذا النظام بطريقة استبدادية سلطوية باسم الدين، ويرفض أي شيء من المعارضة ويعتبرها معادية للدين!

ونفس الشيء ينطبق على إشادة هذه الأحزاب اليسارية والعلمانية، بما تعتبرها «بطولات» حزب الله اللبناني، بسبب فتحه جبهة مساندة يقول إنها لدعم المقاومة في غزة، رغم أن الحزب يصنف ضمن اليمين الديني الطائفي المتطرف، الذي يعلن صراحة انه يتبع ولاية الفقيه في ايران، كما تشيد هذه الاحزاب بجماعة الحوثي في اليمن، وهي جماعة دينية ذات طابع عائلي مقربة من ايران، وتعمل على إحياء الإمامة الزيدية، لما يقومون به من تعرض للسفن في البحر الاحمر وخليج عدن تحت شعار دعم غزة، وهي جماعة مصنفة إرهابية من قبل الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب، نفس الشيء ينسحب على اشادة هذه الأحزاب بما تعلنه الميليشيات الطائفية في العراق من شعارات المقاومة!

فكم هو الفرق الايديولوجي كبير بين هذه الجماعات والميليشيات ذات الصبغة الطائفية وبين الاحزاب اليسارية والعلمانية، وكل هذه الجماعات تعتبر أذرعاً في خدمة المشروع الايراني، الذي يستخدم القضية الفلسطينية ورفع شعار المقاومة، بغرض الاستثمار السياسي لتحصيل مكاسب سياسية تخدم أجندته.

Theban100@gmail.com