كتاب

ما هو قانون غزو لاهاي؟

بدأت قصة هذا القانون في الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن قام المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالإعلان أنه قدّم طلبات إلى المحكمة لاستصدار أوامر اعتقال بِتُهَم ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، فيما يتعلق بالعدوان على غزة وهجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي، ووزير الدفاع الإسرائيلي، بالإضافة إلى ثلاثة من قادة حركة حماس، فما هو هذا القانون؟

نعود بالتاريخ إلى الخلف قليلاً فالمحكمة الجنائية الدولية جرى إنشائها في عام 1999 بموجب اتفاقية روما، رداً على جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان في الحرب العالمية، ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ وافتتحت المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقراً لها في نهاية المطاف في عام 2002، مع أكثر من (120) دولة عضو موقعة، وتتمتع المحكمة الجنائية الدولية بالسلطة القضائية لمحاكمة الانتهاكات الدولية بما في ذلك «الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم العدوان»، وتأتي تكملةً لنظم العدالة الوطنية ذات السيادة، بدلاً من استبدالها، فإن المحكمة الجنائية الدولية اُنشأت في الأساس لتكون «محكمة الملاذ الأخير»، ولا تكون ملزمة بممارسة الولاية القضائية إلا عندما يثبت النظام القضائي في الدولة أنه غير راغب أو غير قادر على محاكمة مثل هذه الجرائم، مع الإشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لم توقعا على اتفاقية روما، مع أن الولايات المتحدة قد لعبت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون دوراً فعالاً في صياغة نظام روما الأساسي، الذي أدى إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.

ونستذكر في هذا المقام قانون حماية أعضاء الخدمة الأمريكية، الذي يعفي أعضاء الخدمة العسكرية والأشخاص المتحالفين المشمولين من المسائلة القانونية، بمعنى إعطاء الحصانة لهم مقابل أي جريمة ترتكب من قبلهم خارج الأراضي الأمريكية خلال قيامهم بمهام خارجية، وجاء مشروع قانون مجلس النواب الأميركي، والذي يسمح بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية تحديداً إذا حققت أو حاكمت أشخاصا محميين من واشنطن أو حلفائها.

فلغة القانون تشير ضمناً وليس تصريحاً إلى أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يتمتع بسلطات واسعة لمحاربة المحكمة الجنائية الدولية، فهذا القانون الجديد يجيز استخدام القوة العسكرية لتحرير أي فرد من أفراد الجيش الأمريكي أو فرد من أفراد جيش دولة حليفة للولايات المتحدة محتجز لدى المحكمة التي يقع مقرها في لاهاي.

ونشير هنا إلى أن ذات الجهات التي تدعم صلاحية الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع المحكمة الجنائية الدولية وهددت بفرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ومسؤولين آخرين في المحكمة بسبب اتهام إسرائيل، هي ذات الجهات التي دعت العام الماضي الإدارة الأمريكية إلى دعم قضيتها ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

بالإضافة إلى أنها لم تكن السابقة الأولى للولايات المتحدة الأمريكية لمعارضة المحكمة الجنائية الدولية فقد حدث في زمن إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث تعهد ترامب بفرض عقوبات على القضاة والمدعين العامين في المحكمة إذا شرعوا بالتحقيق فيما صرحت عنه المحكمة إن «أفرادا من الجيش الأميركي ووكالة الاستخبارات المركزية ربما ارتكبوا جرائم حرب بتعذيب المعتقلين في أفغانستان عام 2016»، حيث فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على أعضاء المحكمة، وحظرت الحسابات البنكية لرئيسة المحكمة آنذاك، لكن العلاقات بين المحكمة وواشنطن تحسنت في عهد الرئيس الأمريكي الحالي، الذي تعهد باحترام قواعد القانون الدولي، حيث أسقط العقوبات.

فالقانون الأمريكي الذي يسمى «قانون غزو لاهاي» قام بشرّعنة إمكانية قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتنفيذ عملية عسكرية ضد المحكمة الجنائية الدولية، وتأتي هذه الخطوات من الجانب الأمريكي لتخوفات من أن تكون واشنطن هي الهدف التالي للمحكمة، فهذا دأب الولايات المتحدة الأمريكية في فرض قواعد جديدة على القانون الدولي، بما يلائم مصالحها حتى لو كانت هذه القواعد لا تحظى بموافقة أعضاء المجتمع الدولي وتخالف من يُتعارف عليه في القانون الدولي العرفيّ، كما أنها أي الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت الحامي لدولة الاحتلال التي لا تلتزم بقواعد القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان الدولي وقرارات هيئة الأمم ومجلس الأمن.