كتاب

الاحتراق الوظيفي: قاتلٌ صامتٌ ينهش طاقتك ويُطفئ شغفك

في عالمٍ يُسيطر عليه العمل المتجدد والتغيير المستمر والمستجدات المتتالية والتطورات المتلاحقة، يزداد خطر ظاهرةٍ صامتةٍ تُهدد صحة الأفراد النفسية والعقلية والجسدية، تُعرف باسم الاحتراق الوظيفي.

وأبدأ بتعريف مفهوم الاحتراق الوظيفي؛ إذ يُعرف بأنه حالةٌ من الإرهاق النفسي والجسدي الشديد، تنتج عن تراكم الضغوطات في العمل، مثل ساعات العمل الطويلة، وبيئة العمل السلبية، والشعور بالظلم أو عدم التقدير وغياب الدعم المادي أو المعنوي وعدم وضوح الوصف الوظيفي وأكثر من يتعرض للاحتراق الوظيفي هم الأفراد الأكثر إخلاصًا لعملهم وإتقانهم لمهامهم وحرصهم على أداء وظائفهم على أكمل وجه، وقد تصل هذه الضغوطات المتتالية إلى احتراق نفسي للأفراد أو إلى مرحلة أعلى وأشد خطورة توصف بالتفحم لشدة الإرهاق والضغط على الفرد.

وللاحتراق الوظيفي أعراض عديدة تختلف من فردٍ لآخر، أذكر أهمها: الإرهاق الشديد: الشعور بالتعب المستمر، وقلة الطاقة، وعدم القدرة على التركيز. وفقدان الشغف: الشعور بالملل واللامبالاة تجاه العمل، وفقدان الرغبة في بذل الجهد. والشعور باليأس: الشعور بالإحباط والتشاؤم، وفقدان الأمل في تحقيق النجاح في العمل. والأعراض الجسدية: مثل الأرق، والصداع، وآلام المعدة، وضعف الجهاز المناعي. والسلوكيات السلبية: مثل العزلة الاجتماعية، والانفعال، والسلوك العدواني.

وينعكس الاحتراق الوظيفي سلبًا على الفرد والمؤسسة من خلال تراجع الإنتاجية: يؤدي فقدان الشغف والتركيز إلى انخفاض جودة العمل وكفاءة الموظف. وارتفاع معدلات التغيب عن العمل: يُصبح الموظفون أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، مما يؤدي إلى زيادة أيام التغيب عن العمل. والمشاكل الصحية: يمكن أن يؤدي الاحتراق الوظيفي إلى أمراضٍ خطيرةٍ مثل الاكتئاب، والقلق، وأمراض القلب. والاستقالة: يمكن أن تؤثر الضغوطات النفسية للعمل على العلاقات بين الأفراد في المؤسسة، مما قد يؤدي إلى الاستقالة. وقد تتضاعف اذا لم تعالج وتصل للانتحار: في الحالات الشديدة، قد يُفكر الموظف في الانتحار كوسيلة للهروب من معاناته.

وفي مقالي هذا أقدم لك عزيزي القارئ خطوات عملية لتُواجه الاحتراق الوظيفي والبداية الصحيحة والخطوة الأولى تبدأ من التحدث مع رئيسك: عبّر عن مخاوفك وناقش مع رئيسك إمكانية تقليل الضغوطات في العمل، مثل إعادة تنظيم ساعات العمل، أو توزيع المهام بشكلٍ أكثر عدلاً.

• حدد حدودًا واضحة: حدّد وقتًا للعمل ووقتًا للحياة الشخصية، ولا تسمح للعمل بالتعدي على وقتك الخاص.

• اهتم بنفسك: مارس الرياضة بانتظام، واحصل على قسطٍ كافٍ من النوم، وتناول طعامًا صحيًا، ومارس تقنيات الاسترخاء مثل التأمل أو اليوغا.

• ابحث عن الدعم: تواصل مع أصدقائك وعائلتك، أو انضم إلى مجموعات دعم لمواجهة الاحتراق الوظيفي.

• لا تخجل من طلب المساعدة المُتخصصة: استشر أخصائيًا نفسيًا إذا كنت تعاني من أعراضٍ شديدةٍ للاحتراق الوظيفي.

وكذلك نؤكد على دور المؤسسات في مكافحة الاحتراق الوظيفي: من خلال خلق بيئة عمل صحية: توفير بيئة عملٍ إيجابيةٍ تدعم الموظفين وتُشجع على الإبداع والتواصل. وتقديم برامج دعمٍ للموظفين: توفير برامجٍ تُساعد الموظفين على مواجهة الضغوطات، مثل برامج إدارة الغضب، وبرامج تعزيز الصحة النفسية. وإعادة النظر في سياسات العمل: مراجعة سياسات العمل للتأكد من أنها عادلةٌ وتُحترم حقوق الموظفين.

ختامًا إن الاحتراق الوظيفي ظاهرةٌ خطيرةٌ تُهدد صحة الأفراد والمجتمعات على حدٍ سواء. ولا بد من التوعية بهذه الظاهرة الخطيرة للحد منها، والتعاون بين الأفراد والمؤسسات لنتمكن من مكافحة الاحتراق الوظيفي وخلق بيئة عملٍ صحيةٍ تُساهم في تحقيق الإنتاجية والازدهار. وتذكر أن الإنسان أغلى ما نملك وأنك لست وحدك في مواجهة الاحتراق الوظيفي وهنالك العديد من الأشخاص الذين يعانون من نفس المشكلة؛ فلا تدع هذه الظاهرة تُطفئ شغفك وتُنهش طاقتك.