بعد تبنى مجلس الأمن الدولي للمرة الأولى قراراً بوقف إطلاق النار في قطاع غزة بعد مرور قرابة ستة أشهر على العدوان الإسرائيلي على القطاع، جاءت تصريحات وزارة الخارجية الأمريكية أن الولايات المتحدة تعتبر قرار مجلس الأمن الدولي حول الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة «غير ملزم»، في وقت صرحت الأمم المتحدة أن القرار قانوني وملزم، وبين الرأيين سنحاول على عجالة تبيان مدى إلزامية القرار الصادر من مجلس الأمن الدولي.
فقرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة هي قرارات الأمم المتحدة، يتم اعتمادها من قبل الأعضاء الخمسة عشر لمجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة، وهو المكلف (مجلس الأمن الدولي) «بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدولي». حيث ينص ميثاق الأمم المتحدة في المادة (27) على أن جميع القرارات غير الإجرائية تصدر بموافقة تسعة أعضاء على الأقل من أعضاء المجلس الخمسة العشر على أن يكون من بينها الدول الخمس دائمة العضوية، ومن هنا بجد أن الميثاق يمنح أي من الدول دائمة العضوية الحق بعدم تمرير أي قرار غير إجرائي حتى إذا حصل على موافقة أغلبية الأعضاء، وهو ما أطلق عليه اسم حق النقض (الفيتو). أما القرارات الإجرائية فيتم اعتمادها بموافقة تسعة أعضاء على الأقل.
الأمر الذي يتطلب من العودة إلى ميثاق الأمم المتحدة وتعريفه، حيث يمكننا تعريفه الميثاق بأنه معاهدة متعددة الأطراف، وبالتالي فهو وثيقة دستورية توزع السلطات والوظائف بين فروع (هيئات) الأمم المتحدة، حيث أن الميثاق يخول مجلس الأمن اتخاذ الإجراءات نيابةً عن أعضاء الهيئة العامة واتخاذ القرارات والتوصيات، كمل تجدر الإشارة إلى أن الميثاق لا يذكر إن كانت قرارات مجلس المن الدولي ملزمة أو غير ملزمة، ولكن هناك فتوى لمحكمة العدل الدولية في قضية «التعويضات» لعام 1949 أشارت إلى أن منظمة الأمم المتحدة تتمتع بصلاحيات صريحة وضمنية، واستشهدت المحكمة بالمادتين 104 و 2/5 من الميثاق، وقالت في استشهادها أن الأعضاء منحوا المنظمة السلطة القانونية اللازمة لممارسة وظائفها وتحقيق أغراضها كما هو محدد (أو متضمن) في الميثاق، وأنهم وافقوا على منح الأمم المتحدة كل مساعدة في أي عمل يتم اتخاذه وفقاً للميثاق.
كما تنص المادة (25) من ميثاق الأمم المتحدة على أنه: «يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق»، كما جاء النص في مرجع ممارسات هيئات الأمم المتحدة إنه خلال مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمنظمة الدولية الذي انعقد في سان فرانسيسكو عام 1945، فشل كل المحاولات لتقييد التزامات الأعضاء ضمن المادة (25) من الميثاق لتلك القرارات التي اتخذتها المجلس في ممارسة سلطاته المحددة بموجب الفصول السادس والسابع والثامن من الميثاق. وتمت الإشارة في ذلك الوقت إلى أن هذه الالتزامات تنبع أيضاً من السلطة المخولة للمجلس بموجب المادة (24/1) للتصرف نيابة عن الأعضاء أثناء ممارسة مسؤوليته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وإن تفسير المادة 24 بهذا المعنى يجعله مصدراً للسلطة يمكن الاعتماد عليها لمواجهة المواقف التي لا تغطيها الأحكام الأكثر تفصيلاً في المواد التالية لهذه المادة، وهناك قول متعلق بالمادة (24): «إن مسألة ما إذا كانت المادة (24) تمنح صلاحيات عامة لمجلس الأمن لم تعد موضوعاً للنقاش عقب فتوى محكمة العدل الدولية الصادرة في 21 حزيران/ يونيو 1971 فيما يتعلق بمسألة ناميبيا.
ومن هنا نرى أن قرار مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار في قطاع غزة قراراً ملزماً قانونياً، إلا أنه يجب الإشارة إلى أن القرار قد صدر بناء على الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة وليس الفصل السابع الذي ينص على الإلزام بالقوة، وقد يكون هذا هو المدخل للتلاعب القانوني للولايات المتحدة الأمريكية بتمرير القرار وعدم استخدام حق النقض (الفيتو) مع ضمان عدم إلزام التنفيذ بالقوة استناداً إلى الفصل السابع من الميثاق.