كتاب

التعليم في ظل الحرب

لم تزل صرخات الفتاة الفلسطينية في غزة على شاشة التلفاز حاضرة في ذاكرتي وهي تبكي بحرقة وتقول «أنا طالبة توجيهي وقد قتلتم حلمي»، وفي مشهد آخر يدمي القلب لطفل غزي لم يلتقط من بين ركام منزل عائلته المدمر سوى حقيبته المدرسية ويغادر المكان. نعم لم تتسبب الحرب والعدوان الإسرائيلي على غزة بالخسائر البشرية والمادية فحسب بل سلبت من الطلبة من جميع الفئات حق التعليم، وقتلت آمالهم وطموحاتهم. حيث دمرت آلة الحرب الإسرائيلية وبشكل ممنهج المدارس والجامعات، وتسبب نزوح معظم الغزيين من منازلهم إلى المخيمات في عيشهم حياة لا يت?فر فيها ظروف مواتية لحصول أطفالهم على أدنى فرص التعليم.

ما يتعرض له التعليم في غزة أمر غير مسبوق، فقد توقف التعليم جزئياً أو حرم بعض الطلبة من الذهاب إلى مدارسهم وجامعاتهم لفترات زمنية قليلة في أثناء الحروب التي طالت أماكن عدة من دول العالم سابقاً، لكن ما يحدث في غزة اليوم هو توقف كامل وطويل الأمد، وحتى في حال حدوث وقف إطلاق النار هناك، سيحتاج العالم أيضاً وقتاً طويلاً لإعادة الحياة لمؤسسات التعليم في غزة وإيجاد بنية تحتية مناسبة.

توقف التعليم كلياً ولفترات طويلة يتسبب بتبعات كارثية يظهر أثرها السلبي في جميع مناحي الحياة، ويتطلب ذلك جهود مضاعفة، وزمن طويل لإعادة مسيرة التعليم إلى وجهتها السليمة، ولكن بالتأكيد ستكون قاطرة التعليم متأخرة عن مثيلاتها في مناطق أخرى، وستظهر فجوة معرفية وثقافية واسعة لدى الجيل الذي تعرض لهذه الكارثة، كما سيتسبب توقف التعليم في أثناء الحرب التي مضى على بدئها ما يقارب نصف عام في خروج أعداد كبيرة من الطلبة من حلقة التعليم، الشيء الذي ينعكس سلباً على نسب البطالة ومستويات الفقر والحرمان.

وفي سياق آخر يبني التعليم في أذهان الطلبة ومشاعرهم قيم المحبة والتسامح والأخوة، والشعور بالعدالة والإنصاف، والتطلع لمستقبل جميل وحياة واعدة بالخير، غير أنَّ ما يعيشه أطفال وشباب غزة في أثناء هذه الحرب الكارثية، وهم يشاهدون يومياً مشاهد الدماء والأشلاء من ذويهم وأقاربهم، ومعاناتهم من الجوع والنزوح وظروف المعيشة المتدنية، حتماً سيعمل كل هذا على إحداث خلل في منظومتهم القيمية وسيحل في مشاعرهم الإحباط والكراهية والحقد والانتقام لكل من تسبب لهم بهذا الواقع المليء بالموت والحرمان.

Rsaaie.mohmed@gmail.com