أكدت الحرب الإسرائيلية على غزة مجدداً أمرا بدهيا في السياسة العربية، وهو أن القضية الفلسطينية تُعتبر «أم القضايا» العربية، وذلك موثق في كل الأدبيات السياسية العربية، سواء كانت صادرة عن القمم العربية، أو تعبر عنها تصريحات المسؤولين العرب، منذ اغتصاب فلسطين وإقامة دولة الاحتلال الصهيوني عام 1948، فضلاً عن تأكيد هذه الحقيقة في برامج وأدبيات الأحزاب العربية، أياً كان تصنيفها «سواء كانت عقائدية «قومية ويسارية»، أو ليبرالية ومحافظة.
لكن ميزة هذه الحرب أنها «استثنائية» بكل ما للكلمة من معنى، فهي مختلفة عن الحروب السابقة بين العرب ودولة الاحتلال، التي كانت غالباً بين الجيوش العربية وجيش العدو، ذلك أنها أطول حرب من حيث الفترة الزمنية، إذ قاربت من خمسة أشهر ولا تزال متواصلة، كما أنها حرب بين دولة الاحتلال وفصيل فلسطيني صغير تابع لحركة حماس، هو'كتائب القسام»، بدون توفر أدنى درجات التكافؤ من حيث القوة العسكرية، حيث جيش الاحتلال يعتبر من أقوى الجيوش في العالم، ويمتلك ترسانة أسلحة هائلة وأقوى سلاح طيران في المنطقة، ومدعوم عسكرياً واقتصادياً وسياسياً من قبل الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، مقابل «فصيل» يقاتل بأسلحة بسيطة، لكن بعقيدة قتالية وشجاعة استثنائية، بالإضافة إلى ذلك أنها حرب مختلفة عن جميع العمليات التي كانت تنفذها المنظمات الفدائية الفلسطينية، منذ انطلاقة منظمة التحرير عام 1965.
وثمة خصوصية أخرى لهذه الحرب، وهي أنها بكل المعايير ووفقاً للقانون الدولي الإنساني وميثاق الأمم المتحدة، تصنف ضمن حروب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية بصيغة غير مباشرة، خلال مناقشتها للدعوى الشجاعة التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد دولة الاحتلال، فهي حرب تستهدف البشر والحجر والمنشآت المدنية والمستشفيات، وكل مقومات الحياة في قطاع غزة، حيث ترتكب قوات الاحتلال المجازر الجماعية مستخدمة سلاح الطيران والدبابات والمدفعية والقصف من البحر، ودفعت سكان القطاع إلى النزوح من مكان إلى آخر وتلاحقهم بالقصف الهمجي، وآخر هذه الأسلحة هو سلاح التجويع الذي يعتبر بمثابة «سلاح دمار شامل»! لأنه سلاح يقتل المواطنين وخاصة الأطفال، بصمت ممزوج بالحرمان والقهر!.
ورغم ما خلفته هذه الحرب من كارثة إنسانية ودمار هائل في قطاع غزة، حيث بلغ عدد الشهداء نحو 30 ألفاً بين المدنيين، بالإضافة إلى ما يقارب 70 ألف جريح، فضلاً عن آلاف المفقودين تحت الانقاض، واستشهاد وإصابة عدد غير معروف من المقاتلين، وتدمير أكثر من 70 بالمئة من مساكن القطاع، فانها حققت إنجازاً مهماً وهو إعادة القضية الفلسطينية «أم القضايا»، إلى صدارة أجندة السياسة الدولية، والمنظمات الدولية المختلفة، وكان استخدم الولايات المتحدة لـ«الفيتو» عدة مرات، لإفشال مشاريع قدمت إلى مجلس الأمن تدعو لوقف إطلاق النار «وصمة عار»، في وجه الإنسانية.
لا شك أن الحرب أياً كانت أطرافها، هي ضد الإنسانية وتعني القتل والتدمير، وهو أمر موثق في كافة الحروب بين البشر عبر التاريخ، لكن يمكن القول أن الوجه الأكثر «ظلمة » في الحرب التي تشنها دولة الاحتلال ضد أهل قطاع غزة، هو العجز العالمي عن دعم أهل غزة سياسيا واقتصاديا وإنسانياً.
Theban100@gmail.com