يتباين مستوى التفاوت وعدم المساواة داخل المجتمعات بتباين رغبة وقدرة الحكومات ومؤسسات المجتمع على إنجاز إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تقلص الفجوات داخل المجتمع، وتعمق سيادة العدالة الاجتماعية، وتلجا الحكومات لتنفيذ برامج وسياسات عديدة لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن في الكثير من الأحيان يغيب عن مخططي هذه البرامج وصانعي السياسات أن التعليم يمكن أن يصنع فارقاً في تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفجوات، لذلك قد يعمل غياب فكرة توظيف التعليم كأداة فاعلة في الارتقاء بقيمة العدالة الاجتماعية والمساواة على تأ?ير تحقيق انجازات تذكر في هذا الصدد، وفشل البرامج والمشاريع التي تهدف إلى تحويل المجتمع من مجتمع التفاوت إلى مجتمع المساواة والعدالة.
تعتبر التفاعلات الاجتماعية داخل مؤسسات التعليم والفصول الدراسية صورة مصغرة عن المجتمع الأكبر، حيث تسود فيها تفاعلات وممارسات مماثلة لما يحدث بين الأفراد والجماعات خارج أسوار المدرسة والجامعة، فثقافة المجتمعات وخصائصها هي نتاج لنظام التعليم الذي تخططه الدولة وتضع فلسفته وسياسته، وقد اعتمد البعض من دول العالم في خطط الإصلاح الآجتماعي والسياسي والاقتصادي على التعليم والممارسات التدريسية في مواقف التعلم، والشواهد على ذلك عديدة، فقد وضعت الولايات المتحدة الأمريكية قانوناً اتحادياً في عهد الرئيس بوش عام (2002) ه? قانون (عدم ترك أي طفل)(No Child Left Behind)من أجل إصلاح نظام التعليم بهدف تعميق العدالة الاجتماعية على نطاق واسع.
إنَّ إصلاح التعليم في جانب الممارسات التدريسية، وتمكين المدرسين من إنشاء بيئة تعلم ترتكز للعدالة والمساواة هو بمثابة رافعة قوية لقيمة العدالة الاجتماعية، حيث تفرض العدالة الاجتماعية تنفيذ ممارسات تدريسية ذات طابع تعاوني، تشاركي، يتيح للطلبة جميعهم البحث والتقصي المعرفي، وتعميق الحوار والمناقشة، ونقد وتقييم الأفكار والمواقف دون قيود، إلى جانب إتاحة الفرص لجميع الطلبة في الغرفة الدراسية دونما التفات لتبايناتهم العرقية والثقافية أو درجاتهم الاجتماعية، كما تراعي الممارسات التدريسية في إطار العدالة الاجتماعية خ?ائص الطلبة، واحتياجاتهم، وتباين اهتماماتهم، وميولهم، وأنماط تعلمهم، وهذه الممارسات هي بمثابة تمرين متواصل يدمج العدالة الأجتماعية في منظومة القيم لدى الطلبة، وبالتالي في المنظومة القيمية المجتمعية بعد إنهائهم مراحل التعلم وإندماجهم في الحياة الاجتماعية.
غير أن هذا المسار في تحقيق العدالة الاجتماعية يحتاج تأهيل المعلمين وتدريبهم ضمن برامج تسعى في الدرجة الأولى إلى تعديل فلسفتهم إزاء أدوارهم المحورية في إصلاح المجتمع، وتعميق إيمانهم بقدرتهم على إحداث قفزات كبيرة في طريق العدالة والمساواة، وفي ذات الوقت إكسابهم مهارات تدريسية ديمقراطية ترتكز إلى أنشطة تعلم تعالج قضايا اجتماعية يتاح للطلبة نقدها وإبتكار حلول للمشكلات الاجتماعية التي تضاعف الفروقات في الفرص والموارد.
Rsaaie.mohmed@gmail.com