كتاب

إصلاح مجلس الأمن

فرق شاسع بين ما تضمنه ميثاق الأمم الامم المتحدة، من أهداف إيجابية للحفاظ على السلم والأمن في العالم، وتنظيم العلاقات الدولية وحل النزاعات وفرض احترام القانون الدولي، وبين الممارسات العملية للدول الكبرى، حيث ازدواجية المعايير في التعامل مع الأزمات والقضايا الدولية، ويحتل مجلس الأمن الدولي المرتبة الأولى في الانتقائية والتمييز بين الأزمات، وهو الجهاز الوحيد الذي له سلطة اتخاذ قرارات تلتزم بتنفيذها الدول الأعضاء بموجب الميثاق، أما أجهزة الأمم المتحدة الأخرى فينحصر دورها بتقديم توصيات غير ملزمة للحكومات.

وتكمن الإشكالية الأساسية في هذا الصدد، بتشكيلة مجلس الأمن الذي يتكون من 15 عضواً، لكنه يعطي الدول دائمة العضوية الخمس الكبرى «الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين» أفضلية في استخدام ما يسمى بحق النقض «الفيتو»، الأمر الذي يكرس هيمنتها على بقية الدول وهو في الحقيقة باطل وليس حقاً، حيث تم تفصيله لتلك الدول في أعقاب الحرب العالمية الثانية ونتائجها، بمعنى أنها ميزة للدول المنتصرة في الحرب والتي تمتلك أسلحة نووية! أما بقية الأعضاء العشرة فيتم انتخابهم بواسطة الجمعية العامة لمدة سنتين حسب التوزيع الجغرافي، فهناك خمسة مقاعد للدول الأفريقية والاسيوية، ومقعدان لدول أميركا اللاتينية، ومقعدان لدول غرب أوروبا والدول الأخرى، ومقعد للدول التي كانت تعرف بأوروبا الشرقية قبل أن تندمج مع الاتحاد الأوروبي، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي ومنظومة الدول الاشتراكية!

والحقيقة أن هذه الدول يخضع تصويتها على القرارات غالباً لهيمنة القوى الكبرى وارتباط مصالحها معها، وأحياناً يبدو المشهد كاريكاتوريا حتى في الجمعية العامة واللجان التابعة للأمم المتحدة، إذ تصوت دول «مجهرية» غير معروفة إلى جانب الولايات المتحدة في قرارات ضد إسرائيل، مثل «جزر المارشال، وميكرونيزيا، وناورو'!.

كان الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، صاحب مبادرة في وقت مبكر بانتقاد احتكار الدول الكبرى للفيتو، لأنه ينطوي على ظلم لبقية الاعضاء وخاصة الدول الصغيرة والشعوب المستضعفة التي تحتاج الى العدالة الدولية وفقا لنص ميثاق الامم المتحدة، ولا تستطيع مواجهة سطوة الكبار.

ومن الواضح أن هذه الهيمنة أصبحت من الماضي وحان وقت إصلاح مجلس الأمن، فهناك دول كبيرة بحجمها السكاني والاقتصادي وحضورها الدولي بل وقدرتها التسلحية، إذا كانت أحد المعايير لامتلاك «الفيتو»، على سبيل الهند وباكستان اللتان أصبحتا دولتين نوويتين منذ نهاية تسعينات القرن الماضي، وحسب القدرات الاقتصادية يمكن الإشارة إلى المانيا واليابان وكوريا الجنوبية والبرازيل وغيرها.

والإصلاح ينبغي أن يبدأ من الغاء «الفيتو» الذي تستخدمه الدول المهيمنة وفقاً لمصالحها وعلاقاتها، وليس بهدف تحقيق الأمن والسلم الدوليين، والأصح أن تكون الأصوات متساوية في طريقة التصويت أفضلية، ويمكن الإشارة إلى العبث في استخدام «الفيتو» من قبل الولايات المتحدة الأميركية، لإحباط أي مشروع قرار يدين إسرائيل ويطالبها بالالتزام بميثاق الأمم المتحدة، وكان أحدث «الفيتوات» التي استخدمتها واشنطن لإحباط مشاريع القرارات، التي تطالب دولة الاحتلال بوقف إطلاق النار وعمليات الإبادة الجماعية التي ترتكبها، في حربها الوحشية منذ ما يزيد عن أربعة أشهر في قطاع غزة، فضلاً عن استخدام أميركا للفيتو عشرات المرات لحماية إسرائيل من أي إدانة، أو تطلبها بتطبيق قرارات مجلس الأمن التي سبق أن صدرت لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

الإصلاح المطلوب لمجلس الأمن يتطلب تحركاً جدياً، من قبل الدول والمجموعات الدولية التي تشعر بالغبن، والتي تمتلك مقومات حقيقية لرفض هذه الآلية وخاصة الدول العربية، حيث العرب هم الأكثر تضرراً من هيمنة الكبار، والضحية الأولى لهذا العبث هو الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، حتى في استخدام القوة وفقاً للفصل السابع من الميثاق، غالباً ما يكون ضحيته الدول الصغيرة، كما حدث في الحرب على العراق عام 1991!..

Theban100@gmail.com