كتاب

«المسألة اليهودية».. وهل تعود إلى أوروبا؟!

بين الأصوات العالمية المعارضة للمجازر اليومية التي يقترفها جيش الاحتلال الاسرائيلي ضد الفلسطينيين في غزة، ترتفع بالإضافة وبشكل لافت في أميركا، احتجاجات الهيئات اليهودية المناهضة للصهيونية مطالبة ًبوقف هذا العدوان، وبالتضامن مع الشعب الفلسطيني وحقه بإقامة دولته على ارضه، وتكشف في نفس السياق بالوثائق والشهادات الحية، حجم التزوير والخداع اللذيْن مارستهما المؤسسات الصهيونية منذ بدأت تتشكل بعد مؤتمر بازل ١٨٩٨ مستغلةً تفاقم السياسات المعادية للسامية في اوروبا، من اجل تحقيق مآربها العنصريّة الاستعمارية الاستيطاني?ة، وذلك بإقناع يهود العالم وحكومات الغرب بأن الخلاص من مأزق الطرفين يكمن اولا في اقامة دولة يهودية في فلسطين بعد اقتلاع شعبها من أرضه وتشريده في شتى الاصقاع،وثانياً في دعمها المالي السخيّ وتسليحها المفتوح كي تتحول الى أكبر قاعدة عسكرية «مُموّهة» في العالم لخدمة اهداف ومصالح امريكا والغرب، بجيشٍ تعداد جنوده مئات الالوف وقد استُخدم عبر السنوات الخمس والسبعين المنصرمة في مطاردة وقمع وقتل وسجن الفلسطينيين الذين صمدوا على أرضهم، فعقيدته الصهيونية تعتبر المقاومة الفلسطينية للاحتلال (وعلى راسها التي هبّت في ٧ اكت?بر) غير مشروعة كما هي عند كل الشعوب عبر التاريخ، بل ارهابٌ ينبغي معاقبة من قاموا به، فوصفَهم بعضُ قادته العسكريين بالحيوانات التي تستحق الإبادة، كما وُصفت المقاومة المناصرة للفلسطينيين في لبنان واليمن والعراق بالأفاعي البرية التي ان لم يمكن قتلها فلا بأس من حرق الغابة كلها (حسب رأي الصحفي الأميركي نورمان فريدمان الداعية الصهيوني الأكبر في النيويورك تايمز)!

وقد استُخدم هذا الجيش في اعتداءات وحروب متكررة على جاراتها العربية بحجة الدفاع عن النفس، اما شعبها(الاسرائيلي) فبدلاً من حصوله على الراحة والأمن والاستقرار تحوّلت حياته الى قلق نفسي دائم والى خوفٍ من خطر داهم تحسباً لانتقام قادم في عتمة الليل او في وضح النهار!.

لقد أتيح لي منذ أيام الاطلاع عل وقائع ندوة إدارتها من سان فرانسيسكو الاكاديمية والناشطة السياسية الفلسطينية الدكتورة رباب عبد الهادي تحدث فيها عدد من الباحثين والباحثات اليهود من جامعات أميركية مختلفة، ولديهم شجاعة الانتماء لهيئات مناهضة للصهيونية، وقد ذهلتُ للكم الكبير من المعلومات التاريخية التي أفصحوا عنها،وبعضها مأخوذ مباشرة من افواه ذويهم ممن عاشوا محنة التمييز العنصري وصولا إلى الهولوكوست ما اضطرهم والكثير من ابناء وبنات جيلهم -دونما اقتناع- إلى ترك بلادهم الأوروبية والهجرة إلى (فلسطين) التي ما كانت ?تتم لولا وسائل لدعم والترويج التي استنبطتها الحركة الصهيونية وصناديقها «الغنية» آنذاك!

فبعض هذه المعلومات عن يهود أوروبا الشرقية قد راج زوراً بأنهم الأكثر تلهفا على الهجرة إلى فلسطين مع أنهم كانوا وقتئذ منخرطين بهمة واخلاص يداً بيد مع مواطنيهم غير اليهود في مقاومة النازية وفي النضال السياسي الاجتماعي من أجل الديمقراطية والاشتراكية، وكانوا على وعي تام بأن ذهابهم الى فلسطين يشكل عدواناً سافراً على شعبها المسالم ويتم بالتواطؤ مع بريطانيا الدولة الاستعمارية الكبرى آنذاك!

يبدو لنا بوضوح أن التيار العريض المناهض للسياسة الصهيونية في الحرب الوحشية الحاقدة على غزة، آخذ في الاتساع، وهو نصير حيوي لنضال الشعب الفلسطيني ضد دولة عنصرية ما فتئت تنكل به منذ النكبة عام ١٩٤٨ في حكم الأبارتايد المشرعن بقانون القوميّة اليهودية للدولة! ونراها تستهتر بالمنظمات الدولية وقراراتها، وتبتز منتقديها بالتهمة الجاهزة «معاداة السامية»، وتفرض عقوبات قراقوشية على مواطنين ومؤسسات في دول اخرى بموجب قوانين منافية للديمقراطية وحرية التعبير سنّتْها الهيئات التشريعية لتلك الدول تحت ضغوط أميركية،كما تقوم إس?ائيل بلا اي حرج بالتجسس اللاأخلاقي حتى على حكومات صديقة، او على افراد داخلها او خارجها، فيما يتعلق بأفكارهم وآرائهم ومواقفهم السياسية، ولا تتورع عن الدخول الى حساباتهم المالية من خلال بنوك بعينها وصولاً إلى الرأس المدبر «الفيدرالريزيرف» في الولايات المتحدة، وغير ذلك الكثير من الممارسات الشاذة التي قد تستفز ظهور المسألة اليهودية في أوروبا من جديد،وربما إلى العالم اجمع، وفي ثوب هولوكوست ثانٍ ككارثة ماحقة لا تبقي ولا تذر!

وبعد.. فالصهيونية التي عرّاها صمود غزة وكشف آثامها وجرائمها وعقم عقيدتها الخرافية، وبعد أن اساءت ليهود العالم ولطخت سمعتهم وشوهت نفوسهم ردحا طويلا زاد على قرن وربع، آيلة اليوم للسقوط المدوي.. فلعلها فرصتهم التاريخيّة للعودة لحضن البشرية..