كتاب

هل يمكن أن تنشب حرب إقليمية في المنطقة؟

منذُ بدء معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي وهذا السؤال يُطرح ليس فقط من قبل المحللين والكتّاب بل من جمهور المتابعين أيضاً، والآن وبعد مرور ما يزيد عن أربعة أشهر تقريباً على بدء الحرب فإنه يمكننا القول بكثير من الثقة بأن هذه الحرب الإقليمية لن تنشب، وذلك بالنظر إلى الاعتبارات الآتية:

أولاً: أن الدولة الكبرى التي تملك أكثر الأوراق وتستطيع التأثير على معظم الفرقاء وهي الولايات المتحدة لا تريد حرباً في المنطقة بالنظر لانشغالها في مناطق أخرى أكثر أهمية لها كأوروبا والصين، والدليل على ذلك أنها من إنْ بدأت الحرب حتى بادرت إلى تجميع حاملات طائراتها (فورد، وأيزنهاور) وغيرها من أسلحة تدميرية مُساندة في البحر الأبيض المتوسط (أكثر من 20 قطعة بحرية)، كما أنها كبحت جِماح بعض المسؤولين الإسرائيليين المتطرفين الذين كانوا يرون في «السابع من أكتوبر» فرصة ليس فقط للخلاص من «حماس»، بل للخلاص أيضاً من «حزب الله» الذي يؤرّق إسرائيل في جبهتها الشمالية، ولعلّ الكل يلاحظ الآن أن الولايات المتحدة سحبت حاملات طائراتها من المنطقة حيث اطمأنت إلى أن الأمور تسير باتجاه التهدئة وليس الانفجار، ولعلّ ما يعزز هذا التحليل أنّ القواعد الأمريكية في سوريا والعراق تعرضت لأكثر من (150) هجوماً بالمسيرات وغيرها ولكن الولايات المتحدة لم ترّد إلا بشكل محدود ودقيق، وكذلك الأمر في ردودها على الحوثيين في اليمن حيث تعرضت بعض السفن الأمريكية للهجوم، ولعلّ من شبه المؤكد أن ردها لن يكون بعيداً عن هذا المستوى حتى بعد خسارة بعض جنودها في الهجوم الذي تم شنه على برج (22) قرب قاعدة (التنف) في الأراضي السورية.

ثانياً: أنّ إيران وهي الدولة الثانية بعد الولايات المتحدة التي تستطيع إشعال المنطقة عن طريق حلفائها (حزب الله في لبنان، المقاومة الإسلامية في العراق، الحوثيين في اليمن) لا تريد فتح جبهة على مستوى المنطقة وتكتفي في هذا السياق بفتح جبهات مُسانَدة (في لبنان، في سوريا، في العراق، في اليمن) لحليفتها «حماس». إنّ إيران تدرك جيداً أنها بهذا التدخل المضبوط يمكنها أن تحقق بعض أهدافها ضد الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكنها إنْ بدأت مواجهة شاملة معها فقد تخسر كثيراً وبخاصة أنها تعاني من عقوبات اقتصادية مؤثرة، كما أن شعبها قد يتململ إذا شعر بأنه يدفع كثيراً في حرب إقليمية يستطيع تجنبها.

ثالثاً: أن إسرائيل وهي اللاعب الثالث المؤثر في الإقليم لا يستطيع -حتى وإن أراد- أن يفتح جبهة أخرى على حدوده الشمالية (أي جنوب لبنان) فهو أخفق إخفاقاً واضحاً في حربه الهمجية المُدمّرة على قطاع غزة إذْ لم يستطع القضاء على «حماس» التي قصفت تل أبيب قبل أيام برشقة صاروخية، ولم يستطع تحرير الرهائن بالقوة، وهو في الواقع على وشك توقيع هدنة أخرى مع «حماس»، فماذا والحالة هذه إذا فتح جبهة أخرى في الشمال حيث يملك حزب الله (10) أضعاف قوة «حماس» حسب المحللين الاستراتيجيين والعسكريين الموثوقين، وقد اعترف «يواف جالانت» وزير الدفاع الإسرائيلي بهذه الحقيقة حين قال (إن معركة الشمال إذا نشبت سوف تكون صعبة علينا، ولكنها مدمرة لحزب الله ولبنان).

رابعاً: أن الأطراف الأخرى المعنية بالحرب في المنطقة ليس لديهم القدرة على تأجيج الحرب ونقلها من غزة إلى مستوى إقليمي حيث تعاني معظم هذه الدول من أوضاع صعبة وبالذات على الصعيد الاقتصادي (مصر، سوريا، لبنان)، كما أن بعضها مرتبط باتفاقيات مُلزمة تحدُّ من حركتها.

إنّ المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة قد تكون الوحيدة التي تتمنى أن تكون هناك حرب إقليمية للتخفيف من معاناة شعبها، ولتحمّل بعض العبء الذي تتحمله ببسالة منقطعة النظير في مواجهة الجيش الإسرائيلي المُدجّج بالسلاح والمدعوم غربياً بغير حدود، ولكنها في الواقع لا تستطيع إشعال حرب إقليمية شاملة، وجلّ ما تستطيعه هو حث الجبهات المساندة (لبنان، سوريا، العراق، اليمن) على المضّي في مساندتها.