خلال النصف الثاني من القرن السادس عشر ارتفعت حدة التوتر بشكل غير مسبوق بين إسبانيا وإنجلترا، حيث أبدى الملك الإسباني فيليب الثاني قلقه الشديد من انتشار المذهب البروتستانتي في إنجلترا، الذي نتج عن حركة الإصلاح الديني التي شهدتها البلاد خلال عهد هنري الثامن.
عمدت إنجلترا، بقيادة الملكة إليزابيث الأولى منذ ستينيات القرن السادس عشر، إلى دعم البروتستانت الهولنديين المعارضين لحكم إسبانيا الكاثوليكية.
وفي ثمانينيات القرن السادس عشر، اشتد الخلاف بين الطرفين، حيث انزعج الملك فيليب الثاني من تصرفات نظيرته الإنجليزية، التي دعمت قراصنة مثل فرانسيس دريك لمهاجمة السفن الإسبانية المحملة بالكنوز خلال رحلتها من العالم الجديد إلى أرض الوطن.
وفي بداية عام 1585، اندلعت حرب غير معلنة بين إسبانيا وإنجلترا بسبب توقيع الأخيرة اتفاقية تعاون مع المتمردين الهولنديين الذين كانوا يخضعون للسيطرة الإسبانية. وتجاوباً مع هذا الوضع، وضع ملك إسبانيا، فيليب الثاني، خطة لغزو إنجلترا بهدف خلع إليزابيث الأولى من الحكم، وتعيين ملك جديد موالٍ، والقضاء على حركة الإصلاح الديني.
ولتحقيق مخططها الموجه ضد إنجلترا، جمعت إسبانيا أسطولاً بحرياً هائلاً يُعرف بالأرمادا ضم 130 سفينة حربية.
ووفقاً للخطة، كان من المقرر أن تبحر الأرمادا من لشبونة إلى منطقة فلاندر قبالة السواحل الإنجليزية. هناك كان من المقرر تنظيم 30,000 جندي، بقيادة دوق بارما، لهذه الحملة العسكرية، حيث كانت الخطة تشمل المرور لاحقاً عبر القناة الإنجليزية والرسو على سواحل كينت، وهو ما يمثل بداية الغزو الذي سيقودهم نحو لندن.
وفي الوقت نفسه، لم تكن إسبانيا قادرة على إخفاء تحضيراتها للهجوم ضد الإنجليز، إذ كشف جواسيس الملكة إليزابيث الأولى عن الخطة الإسبانية ونقلوا معلومات حولها للجانب الإنجليزي.
رداً على ذلك، شن فرانسيس دريك هجوماً على منطقة قادس في عام 1587 ودمر جزءاً هاماً من الأرمادا الإسبانية، ما أجبر الملك فيليب الثاني على تأجيل خططه.
وفي هذه الأثناء، استفاد الإنجليز من تأخر موعد الهجوم الإسباني لإقامة تحصينات على الشواطئ وتجهيز قوة بحرية تضم عشرات السفن الحربية المجهزة بمدافع ذات نطاق بعيد لصد الغزو.
بعد سنوات من التحضير، انطلقت السفن الإسبانية بقيادة دوق شذونة في مايو 1588 في اتجاه منطقة فلاندر للقاء دوق بارما وقواته قبل مواصلة الطريق نحو إنجلترا.
وفي 6 أغسطس 1588، وصلت الأرمادا الإسبانية إلى منطقة كاليه الفرنسية بعد أن تعبت جراء هجمات متكررة من السفن الإنجليزية. بعد يومين فقط، شنت القوات البحرية الإنجليزية، بقيادة فرانسيس دريك واللورد شارل هاورد، هجوماً مفاجئاً على السفن الإسبانية ونجحوا في تشتيت تنظيم الأرمادا الإسبانية التي غادرت اليابسة على عجل نحو البحر، بحسب ما يذكر لنا موقع THE TIMES.
خلال معركة بحرية استمرت 9 ساعات، والتي أصبحت معروفة باسم "معركة غرافلين"، تم إجبار السفن الإنجليزية على الانسحاب بسبب نفاد ذخيرتها. بعد نهاية المعركة، تسببت عاصفة قوية في طرد السفن الإسبانية وطواقمها نحو بحر الشمال، وهو ما أدى إلى فشل لقاء قوات دوق بارما الإسبانية.
في هذه الحملة الفاشلة، خسر الإسبان نصف سفنهم الحربية وحوالي 15,000 جندي. كما كانت الأرمادا الإسبانية قد تأثرت بشكل كبير بالعواصف والأمراض، ولم تسفر المعارك مع الإنجليز عن خسائر كبيرة في الأرواح.
ونتيجة لهذه العواصف، تمكنت الملكة إليزابيث الأولى من الحفاظ على عرشها وإنقاذ إنجلترا من الغزو، ما أكسبها مكانة هامة كقوة أوروبية.