لا يوجد شعب في التاريخ غير أهل غزة يمضي ساعات النهار والليل ال 24، في احصاء عدد الشهداء والمصابين وانتشالهم من تحت الانقاض، ومحاولة اسعافهم بوسائل بدائية «عربات تجرها الحيوانات'! ودفن الشهداء والنزوح من مكان الى آخر تحت القصف، ومناشدة العرب والعالم تقديم المساعدات الانسانية.. حياتهم تحولت الى جحيم!
من هنا يمكن النظر الى المكسب الأهم الذي نتج عن قرار محكمة العدل الدولية، ردا على الدعوى التي رفعتها جنوب افريقيا ضد اسرائيل، وهو وضع دولة الاحتلال في قفص الاتهام لأول مرة منذ انشائها عام 1948، وكانت دائما تعتبر نفسها فوق القانون بسبب الدعم والغطاء الاميركي، لكنها هذه المرة وقعت في شر أعمالها، وكانت خسارتها الأخلاقية والسياسية مدوية أمام الرأي العام العالمي، ولم تعد تنطلي على أحد الصورة المزيفة التي رسمتها لنفسها في العالم، وخاصة في الدول والمجتمعات الغربية!
صحيح أن قرارات المحكمة لم تتضمن نصا صريحا بالمطالبة بوقف اطلاق النار، وهو المطلب الاساسي المستعجل الذي ورد في لائحة دعوى جنوب افريقيا..! لكن المهم انها رفضت طلب اسرائيل برد الدعوى، وأكدت أنها صاحبة اختصاص في موضوع الدعوى، وعليه طلبت من دولة الاحتلال القيام بتدابير مؤقتة مثل ادخال المساعدات الانسانية الى القطاع ووقف اعمال قتل السكان والتحريض على الكراهية...الخ. لأن النظر في فحوى الدعوى وهو ارتكاب عمليات ابادة جماعية، سيستغرق سنوات كما يقول خبراء القانون الدولي.
ومن المفارقات اللافتة أن اسرائيل كانت اول المستفيدين، من انشاء محكمة العدل الدولية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث كانت «المحرقة» النازية أول قضية عرضت على المحكمة، لكهنا اليوم تقف في قفص اتهام المحكمة بنفس التهمة التي أدينت بها النازية «الابادة الجماعية»، التي ترتكبها دولة الاحتلال منذ نحو اربعة أشهر ضد أهالي قطاع غزة، بوحشية ربما لم يسجل مثلها التاريخ!.
جميع خبراء القانون الدولي العرب والاجانب الذين علقوا على قرار محكمة لاهاي، أجمعوا على أن ما حدث انتصار تاريخي للشعب الفلسطيني، من قبل أعلى هيئة قضائية دولية رغم أن المحكمة ليس لديها آليات عملية لتنفيذ قراراتها، وجدير بالتذكير قرار المحكمة «الاستشاري» الذي صدر عام 2004 بخصوص جدار الفصل العنصري. ولم تلتزم اسرائيل به كبقية القرارات الصادرة عن الامم المتحدة، وبقيت في أرشيف المنظمة الدولية يعلوها الغبار، ويمكن الاشارة الى قرار مجلس الأمن رقم «242» الذي يطالب اسرائيل بالانسحاب من الاراضي التي احتلتها في حرب عام ?967، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الصادر في ديسمبر عام 1948 بخصوص عودة اللاجئين الفلسطينيين.
وربما يحدث نفس الشيء بالنسبة لقرار محكمة العدل الدولية عندما يعرض على مجلس الأمن الدولي يوم الاربعاء المقبل، لاستصدار قرار ملزم لاسرائيل لتنفيذ ما تصمنه قرار المحكمة، وحتى لو سمحت الولايات المتحدة الاميركية بتمرير القرار ولم تستخدم الفيتو، فان اسرائيل تستطيع تجاهله كما فعلت بالنسبة لغيره من القرارات، الا اذا صدر القرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، الذي يجيز لمجلس الأمن اتخاذ الأعمال اللازمة في حالات تهديد السلم الدولي والإخلال به ووقوع العدوان، والطلب من الدول الاعضاء اتخاذ التدابير اللازمة م?ل استخدام القوة المسلحة وفرض العقوبات، لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه، وهو ما يحدث بالضبط في غزة منذ نحو اربعة أشهر. وهذا أمر مستحيل في ضوء سياسة المعايير المزوجة، التي تتبعها الدول الكبرى المتنفذة في مجلس الامن، وخاصة الولايات المتحدة الراعية الأساس لدولة الاحتلال الصهيوني!
Theban100@gmail.com