كتاب

عن وصفِ «بوتين»: الولايات المتحدة «دولة مهمة وضرورية» في العالم

في مؤتمره الصحفي السنوي/14 الجاري, قال الرئيس الروسي/بوتين: إن الولايات المتحدة دولة «مهمة وضرورية»، على نحو بدا فيه وكانه «يمتدح» الدولة التي انفردت منذ انتهاء الحرب الباردة أوائل تسعينيات القرن الماضي, إثر انهيار الاتحاد السوفياتي وتفكك حلف وارسو ومنظومة الدولة الإشتراكية، لكنه مضى إلى القول في انتقاد لاذع ومباشر لسلوك الدولة التي ظنّت أن القرن الجديد الـ «21» سيكون قرناً أميركياً خالصاً.

«نحن على استعداد - أضافَ بوتين - لبناء علاقات معها.. نعتقد ان الولايات المتحدة دولة مهمة وضرورية في العالم, لكن هذه السياسة الامبراطورية المُطلقة تعيق هذه الدولة، لأنه - استطردَ - في الوعي العام الأميركي، يجب أن يتصرّفوا مثل دولة امبراطورية».

لم يتوقف الزعيم الروسي عند هذا الحد، بل واصلَ القول: لو اتفقتْ النُخب الأميركية حول أمر ما وتنازلت في شي ما، فسينظر الناخبون إلى ذلك على أنه فشل أو فجوة، ولذلك – فسَّرَ بوتين– تضطر الولايات المتحدة إلى التصرف بهذه الطريقة. علماً أن بوتين قال في وقت سابق: إنَّ واشنطن تبذل جهوداً كبيرة لإحتواء منافسيها وزعزعة استقرارهم، لأن الولايات المتحدة أخذتْ تضعف كقوة عظمى عالمية, وتفقد مكانتها ومواقعها السابقة.

قد يعتقد البعض أن الرئيس الروسي الذي تدهورت علاقات بلاده مع واشنطن, وبخاصّة في عهد الرئيس الحالي/بايدن، إنما أراد تصفية حسابات قديمة وأخرى مُستجدّة مع إدارة بايدن، لكن مجريات الأحداث والتوتر الذي يسود العلاقات الدولية, منذ قدوم بايدن وفريقه وبخاصّة وزير خارجيته/بلينكن وطاقم البيت الأبيض وجنرالات البنتاغون, تؤكّد ما ذهب إليه بوتين، إن لجهة عسكرة العلاقات الدولية التي باتت سمة رئيسة من سمات الدبلوماسية الأميركية, أم خصوصاً في تصاعد نزعة الهيمنة وبناء التحالفات العسكرية في أكثر من منطقة وقارة استغلالاٍ أو استثماراً في الحرب الأوكرانية. التي وبعد عامين تقريباً على بدء العملية العسكرية الروسية الخاصّة, باتت رمزاً أو مؤشراً على فشل سياسة إدارة بايدن, رغم «النجاح» الذي أصابته, على صعيد إستعادة هيمنتها على القرار الأوروبي, والحؤول دون مزيد من الإنشقاقات في المعسكر الغربي, بعد بروز مؤشرات على عودة تيار «الإستقلالية» الأوروبية عن واشنطن وبخاصّة في المجال الدفاعي, وإن كانت إدارة بايدن نجحت أيضاً في فرض نسبة 2% من الناتج المحلّي الإجمالي لكل دول حلف الأطلسي/الناتو, للشؤون العسكرية والتسليح.

هنا تحضرني المقالة المهمة والمثيرة لـ«أناتول ليفين» الأستاذ في كليّة الشؤون الدولية بجامعة جورج تاون في قطر, والأستاذ الزائر في قسم دراسات الحرب في كليّة كينجز كوليدج في لندن. نشرها في موقع «كومون دريمز». قام الزميل علاء الدين أبو زينة بترجمتها, الأول من تشرين الثاني الماضي. تحت عنوان: الولايات المتحدة «لا غنى عنها» في خلق عدم الاستقرار فحسب.

جاء فيها: «في خطابه الأخير الذي تحدّث فيه عن الحربين في غزّة وأوكرانيا وتورّط الولايات المتحدة في كليهما، اقتبس الرئيس بايدن العبارة الشهيرة لوزيرة الخارجية السابقة/مادلين أولبرايت، حين قالت: إنَّ أميركا هي «الأمة التي لا غنى عنها». هذا هو الاعتقاد ــ أضاف ليفين ــ الذي تعيش وتعمل به المؤسسة الخارجية والأمنية الأميركية في حقيقة الأمر.

كما أظهر خطاب بايدن، يواصِل ليفين, تُشكل هذه الفكرة إحدى الطرق التي تبرر بها المؤسسة للمواطنين الأميركيين, التضحيات التي يُطلب منهم تقديمها من اجل خاطر تفوق الولايات المتحدة، وهي ايضاً الطريقة التي يَعفي بها اعضاء هذه الفقاعة انفسهم, من مشاركتهم في ارتكاب الجرائم ولأخطاء الأميركية، فمهما كانت أنشطتهم وأخطاؤهم مُروعة، يظل من الممكن ان يلتمسوا العذر, إذا حدث ذلك كجزء من مهمة أميركا «التي لا غنى عنها» والمتمثّلة في قيادة العالم نحو «الحرية» و«الديمقراطية».

لكن من الضروري ــ يستطرِد الكاتب ــ أن نسأل: لماذا لا غنى عنها؟. لا تستطيع الإدعاءات الفارغة عن «النظام المُستند إلى القواعد» ان تجيب عن هذا السؤال. في الشرق الأوسط الكبير، يجب ان تكون الإجابة واضحة. وسوف أفترض ان قوة مُهيمنة مختلفة, ربما كانت لِتُحدث قدراً أكبر من الفوضى في المنطقة، وحتى بتكلفة أكبر لنفسها مما نجحت الولايات المتحدة في فِعله على مدى السنوات الثلاثين الماضية. لكن تلك القوة الأخرى كانت ستبذل بعض الجهد الجاد حقاً في هذه المهمة، كما أنه ليس من الواضح ما إذا كان غياب قوة عظمى مهيمنة عن المنطقة, يمكن أن يجعل المور أسوأ من الأساس.

خلال كل هذا الوقت ــ يستخلِلص ليفين ــ لم ينجح حتى جُهد أميركي واحد مفيد للسلام في المنطقة. بل إن القليل جداً من الجُهد تمت محاولته. وأكثر من ذلك، لم تفِ الولايات المتحدة حتى بالدور الإيجابي الأساسي لأي قوة مُهيمنة وهو «توفير الإستقرار».

في السطر الأخير..هذه أميركا التي «لا غنى عنها»...

kharroub@jpf.com.jo