إن الأنطلاقة الأردنية بكل تفاصيلها ترجمت على أرض الواقع حيثيات وتفاصيل وأبعادا نظرية وفلسفية، أنطلقت دائماً من خلال الثوابت القيمية التي كان يستهتر بها البعض، والذي كان يعتبر أن هذه الثوابت هي عبارة عن شعارات لا يمكن ترجمتها على أرض الواقع، لكن الأحداث المفصلية التي اجتاحت المنطقة على مسارات التاريخ، أثبتت أن الأردن ملكاً وشعباً ومؤسسات عسكرية ورسمية وشعبية، كانت تترجم بكل ما للكلمة من معنى، بأن القيم والثوابت الأردنية ليست شعاراً للتغني الخارجي، إنما هي حقيقة منبثقة من التكوين النظري والقيمي والفلسفي للدولة الأردنية من أدنى إلى أعلى، ولترجمة ذلك على أرض الواقع فقد رأينا وبكل وضوح وخلال المعركة التاريخية التي يخوضها شعبنا الفلسطيني في القطاع والضفة، قد عكست الثوابت الحقيقية للفعل الأردني على أرض الواقع، فمن خلال تجانس الدبلوماسية الأردنية والتي خاضت معركة استراتيجية غير مسبوقة بتصديها لكل المؤامرات التاريخية والمختزلة في ذهنية البعض، التي استهدفت الشعب الفلسطيني هوية ووجود وأمتدادها الى الدولة الأردنية قد جعلت من الأردن الحاضنة المقاومة الحقيقة، ضمن إطار مقوماته ومقدرته وقدرته على التصدي الى كل تلك المؤامرات.
وهنا نستذكر بكل وضوح الأختراق الدبلوماسي الذي قاده جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين على الصعيد الدولي، من خلال إختراقه لتوجهات الرأي العام العالمي، والذي أرتكزت في الأزمة الأخيرة على السردية الصهيونية واضحة المعالم، من خلال الضخ الأعلامي الكاذب، الذي أنعكس دون تقرير أو تثبيت من الحقائق على الرأي العام العالمي، ببعده الرسمي هنا وليس الشعبي.
لكن تصدر جلالة الملك وجلالة الملكة رانيا العبدالله وولي العهد الشاب إلى تلك التراكمات الأعلامية، قد وضع العالم أمام استحقاق جديد، وتساؤل أدى الى تغير جذري في توجه الرأي العام العالمي، والذي بات ضاغطاً حقيقياً لمعرفته الحقيقية التي تجسدت مع مرور أزمة غزة وحجم الدمار الشامل والكامل والتصفية العرقية ومشروع الترانسفير إلى صحوة ما بعدها صحوة، فكل شعوب الأرض ومؤسساتها الدولية الحقوقية والإنسانية قد أصطفت وراء الدبلوماسية الأردنية في الجمعية العامة، والذي قادها بأقتدار شديد جلالة الملك وأعطاها سمة التطبيق وزير خارجيتنا أيمن الصفدي، والذي عكس بكل وضوح جوهر ووجدان الشعب الأردني، وترجمها على أرض الواقع التوظيف المباشر لمنظومة تلك العلاقات ولي العهد الحسين بن عبدالله الثاني، والذي أشرف بشكل مباشر وبكل تفاصيل وبدقة إستثنائية على إنجاز المستشفى الميداني الثاني في غزة والذي مقره خان يونس، وهو بالبناء الجغرافي وبسماته يعتبر تحولاً حقيقيا في تحدي الاحتلال وداعميه، علاوة على الضغط الذي مارسه الأردن في رد فعله على أستهداف المحيط الجغرافي للمستشفى الميداني الأردني في قطاع غزة، محذراً بأن أي استهداف إلى تلك المؤسسات الطبية الضرورية لرفع الحد الأدنى من المعاناة الفلسطينية سيؤدي إلى الأنتقال الى المرحلة التالية، في تدرج التصعيد الدبلوماسي في الكيف والكم من قبل المملكة الأردنية الهاشمية.
لذلك فأن الأشراف الملكي والأنغماس الكلي لجلالة الملك وولي عهده الميمون في محاولة تخفيف ولو بالحد الأدنى عن الشعب الفلسطيني البطل، ومقاومته الباسلة، ليس فقط في قطاع غزة إنما التصدي لمشروع التهجير الذي يمارس في الضفة الغربية بشكل ممنهج،وتوظيفه إتجاه الأبعاد الحقيقية لدولة الاحتلال الصهيوني القائمة على سياسة الأحلال السكاني والتدمير المكاني ولكن كل ذلك سيطدم دائما وابدا بصحوة الهاشمين واسنادهم الغير محدود للشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده وقضاياه المحيطة وذلك لا يمكن أن ترى تجليه إلا من خلال الأنخراط الهاشمي، وخاصة الإشراف المباشر لولي العهد على صناعة التغيير والتحدي بعد إنجاز استراتيجي في الضفة الغربية، والمتمثل في المستشفى الميداني نابلس واحد، وهو ما يعني أختراقا وتحدياً بدأ بالأسقاط الجوي للمساعدات، وصولاً إلى البناء المباشر، مترجماً بكل التفاصيل قرار القمة الأسلامية العربية في كسر الحصار، معتبراً أن هذا النموذج إن تم تعميمه سيجعل من هذا الوطن، ومن هذه القرارات أساساً في الكيفية التي يمكن اتخاذها لصد هذا العدوان الغاشم..
المجد والخلود لأرواح شهداء الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع.