هم من يشاهدون ما يحدث الآن، ليس فقط في غزة وفلسطين، ولكن في جميع أرجاء العالم، بات سهل للصغار المشاركة في خضم ما يحدث دون وصاية من أحد وبقناعة وقدرة للبحث عن المعلومة والتفاصيل وبلغات عديدة.
في الحاضنة وغرف الخداج وفي جميع مناطق العالم سوف يأتي إلى الدنيا من الآن وحتى المستقبل القريب جيل من الأطفال، يكبرون ويبحثون عن الحياة وعن أحلامهم ويخططون لمستقبلهم بما يمكنهم من غايات وإمكانيات ووسائل.
سوف يكبر صغار غزة وفي ذهنهم ووجدانهم القضية العادلة التي ورثوها عند الأجداد وروت بدمائهم وأجيال سبقتهم ثرى غزة المكان والرمز وعطرت حياتهم نسيم الشهادة والعنوان.
وسوف يكبر الطفل في الأردن وفي سائر الوطن العربي متطلعا ومتعاطفا وسندا وعونا لسميه وشقيقه في فلسطين وغزة، وحاملا حلم الحرية والعزة والكرامة وماضيا في حمل رسالة الحق وواثقا من النصر شأنه شأن من انغمس في ثنايا الوعد والعهد.
وبالمقابل سوف يكبر الطفل الإسرائيلي (حتى وإن غذي بالفكر) ويحمل السؤال: أين انا من هذا الخضم ولماذا أقف في مواجهة عدو ليس له ذنب سوى أنه فلسطيني؟ وسوف يحاسب الكبار عن ضياع مشروعه بين زحام القتل والدمار، في حين سوف يقابله الطفل الآخر بثقة كبيرة بأنه عظيم وأكثر منه عمرا وحياة.
سوف يكبر الصغار من الآن وحتى مئة عام كافية للشهادة علينا وفينا وبكل ما تركناه لهم من تاريخ ومواقف وأحداث، كما نفعل نحن الآن ونسجل شهادتنا مفعمة بالدم والحروب وتفاصيل ردهات الزمن.
بعض من صغار غزة مضى للجنة ورياض النعيم، وترك لأقرانه درب الحياة الدنيا ريثما يكبرون ويحلمون بالشهادة مثله ويجتمعون ثانية وأهلهم في جنات عرضها السموات والأرض أعدت خصيصا لهم وأمثالهم من المخلصين الأوفياء من المجاهدين والأبطال.
سوف يكبر الأمل في رحم أمهاتهم وولادة أفواج وأفواج من أجيال وأجيال لم تذق سوى طعم الظلم والاحتلال وفقدان الأعزاء، وخرجت للدنيا وسط الأشلاء والدمار والدماء والفوضى وصوت إطلاق النار ودوي القنابل والدبابات وقصف الطائرات.
خارج رحم الحياة ولدت واطلقت صرخة إثبات الوجود وانطلقت دون غرف خداج وأكسجين وأدوية وعلاج، كان بلسمها الوحيد لطف الله وقدره وعنايته وعطفه ورحمته التي وسعت كل شيء علما.
سوف تتغير ملامح كثيرة وعديدة وقسمات لحياة صغار يكبرون على حد سواء وفي بقاع المعمورة وعند مشارف المستقبل، يتبادلون رموز الحياة وأشكال التعبير والتفاهم وربما المواجهة والصمود.
العديد من الدراسات السابقة عن أطفال اللاجئين في النكبات الإنسانية في فلسطين وسوريا وحتى في الدول الغربية، تشير إلى ذاكرة رهيبة وخزان ضخم من الصفات والقدرات والطباع تولدت في عمر الشتات والغربة داخل وخارج الوطن الأم، وتلك الملامح هي سمات الحاضر وسوف تكون للصغار من الجيل الجديد رحلة سوف تختلف هذه المرة عن الماضي؛ هي قصة نصر لا محالة على الظلم أي كان والصفقات مهما تنوعت وتشكلت.
يحمل الصغار اليوم في داخلهم توقا ونهما وتطلعا نحو المستقبل بجراح الماضي ونزيفه وبقايا أثاره، ويمضون والله أعلم كيف سوف يواجهون القدر والأجل المحتوم وتفاصيل العمر المقسوم لهم على هذه البسيطة.
لأطفال غزة ولبنان والعراق وسوريا والأردن وسائر بلدان العالم العربي والدولي، رجاء وأمل منا ولأجلنا بأن نشهد قبلهم حسن الختام والمثوى والمأل والعاقبة، ولهم منا الآن قبل أن يصدروا ويعلنوا عنا الأحكام، أمنيات الرفق والمودة والأمان: سيكون لكم حتما ما تريدون وأكثر، طوبى لكم.