الأردن هذا البلد والذي يقع في قلب الأحداث ويتأثر بها دوما، ثمة مسافة تفصله عن الآراء الشخصية، ليصل إلى السياسة الثابتة والراسخة ضمن نظام دولة وجيش وشعب وحدود وإمكانيات وقدرات وأجهزة ومؤسسات وعلاقات تعاون وشراكة وتاريخ وإنجازات خالدة.
بوضوح، لا بد من عيش الواقع الرشيد مع وضع الأردن وسط إقليم دائم التقلب وغير مستقر وقابل للاشتعال مع أي موقف وأزمة وطارئ وكارثة بالمقارنة مع وضعه الفريد ونسيجه الاجتماعي وموقعه الاستراتيجي ومواقفه تجاه الملفات الداخلية والخارجية ورهان العديد من الجهات المتربصة له ولمسيرته من التقدم نحو المستقبل.
نعم ثمة العديد من أوراق الضغط الأردنية وعلى جميع المستويات والتي يتوجها في أغلب الأحيان جلالة الملك عبد الله الثاني وعلاقاته الشخصية والرسمية مع ملوك ورؤساء الدول الصديقة والشقيقة والتي تحترم وجهة النظر الأردنية تجاه الملفات في المنطقة والإقليم.
منذ انطلاقة ما يسمى «الربيع العربي» والاندفاع الشعبي تجاه قضايا الحرية والتعبير والتغيير، تبدلت وتدهورت الأوضاع والأحوال وعصفت موجات الدمار بعض تلك التجارب، ومع ذلك حافظ الأردن على أمنه واستقراره بقيادته الحكيمة وانفتاحه على الآخرين وتقبل الآراء بعيدا عن التعنت والتزمت، وتلك شهادة من الجميع تجاه نجاح النموذج الأردني والذي يعتبر من أوراق الضغط التي يمتلكها للدفاع عن عمق تجربته السياسية والأمنية والاجتماعية والإدارية على حد سواء.
كذلك الأمر لـ"صفقة القرن» والتي رفضها من الأردن جملة وتفصيلا واعتبرت ورقة ضغط أردنية في محلها على الرغم من الإغراءات الاقتصادية والوعود لإنعاش الاستثمار والمضي قدما في مشاريع وعائدات وفيرة.
أوراق الضغط الأردنية المتاحة تكمن في محاور يمكن الإشارة إليها ضمن السياسة الثابتة والرؤية الواضحة للأمور وعلى النحو التالي:
أولاً: لا بد من القناعة بأن الموقف الأردني هو عبارة عن رؤية طويلة الأمد تأخذ في الاعتبار المصلحة العليا للدولة ومؤسساتها واستقرار النظام ومرجعية القرار المستند إلى سياسة سليمة، ثانيا: ينتقد موقف الأردن بداية الأمر ولكن ومع تقدم التجارب، يتضح جليا مدى صواب مجمل المواقف الأردنية وعلى المستويات كافة، ثالثا: تكلفة القرار الأردني كبيرة ولطالما دفع ودافع الأردن جراء مواقفه الكثير دون حساب للأرباح والخسائر، بل ظل واثقا من تفضيل المصلحة العامة والعربية والقومية على الحسابات الضيقة وقصيرة الأمد والنفع، ورابعا: لم يبخل الأردن تجاه أي من الأشقاء ودول العالم الصديقة والشقيقة، وقدم العون والمساعدة ضمن إمكانياته وموارده المتاحة وتحمل الأعباء الإضافية دون أن يقدمها ورقة ضغط على أحد وجهة ودولة ومنظمة.
ضمن الأحداث الراهنة والاعتداء الوحشي على غزة ومن قبل الممارسات ضد الشعب الفلسطيني، قدم الأردن وعرض وأكد على ضرورة توفير الحماية للشعب الفلسطيني وحقه في العيش بكرامة وأمن وسلام واستقرار وطالب المجتمع الدولي ومن خلال جميع القنوات الرسمية بذلك من خلال جلالة الملك عبد الله الثاني وولي العهد سمو الأمير الحسين أمام الأمم المتحدة وخلال الجولات الملكية حول دول العالم واستخدمت تلك المساعي الديبلوماسية كورقة ضغط ذات قيمة إنسانية وعقلانية وبلغة فصيحة ومباشرة أمام الضمير الإنساني.
بذل الأردن جهودا كبيرة وحثيثة لإدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة المحاصر واعتبر هذا التحدي ورقة ضغط وإصرار وأولوية قصوى ومن قبل ورقة ضغط متاحة لوقف القصف وقتل المدنيين ومن ضمنهم الأطفال والنساء والمرافق المدنية والمستشفيات والمساجد والكنائس، وعدم فصل التصعيد في غزة عن الضفة الغربية ورفض جميع محاولات التهجير.
استدعاء السفير الأردني من تل أبيب والطلب من السفير الإسرائيلي مغادرة الأراضي الأردنية، جهد يسجل للخارجية الأردنية، إضافة للتصريحات المباشرة لمعالي وزير الخارجية وشؤون المغتربين وفي جميع المنابر والمؤتمرات والاجتماعات للتعبير عن الموقف الأردني ومنذ اللحظة الأولى للتصعيد وترقب مجريات الأحداث بشكل قريب ومستمر وتلك ورقة أتقن الديبلوماسي الأردني الاستفادة منها في الوقت المناسب ضمن بروتوكولات التعامل السياسي وحسب الأصول، وليس للرأي الشخصي والشعبي وحسب.
الوقفات التضامنية والمسيرات الشعبية وحملات التبرعم للأهل في غزة وفلسطين، من أدوات السياسة الداخلية والتعبير الديموقراطي وتحمل الأعباء من قبل الأجهزة الأمنية والساهرة على أمن الوطن والمواطن وعلى جميع الجبهات الداخلية والخارجية وخصوصا الحدودية منها والتي طالما راهن البعض على قدرتها على صد محاولات التسلسل والتهريب وإشاعة الفوضى والخوف على مدار الساعة، ولكنها والحمد لله باءت بالفشل والخسارة.
من خلال مجلس الأمة يمكن إظهار العديد من أوراق الضغط الأردنية المتاحة ومن خلال القنوات الرسمية والشعبية ومن أهمها الاتفاقيات الموقعة مع السلطات الإسرائيلية وإيقاف العمل بها وإلغاؤها كورقة رابحة في ظل الظروف الراهنة.
للأردن العديد من الأوراق ولكنه يحتفظ لنفسه تقدير الوقت المناسب للاستفادة منها لصالحه وشعبه ومقدراته الوطنية ومصالحه العليا وأمنه الاستراتيجي وتلك تختلف عن الآراء الشخصية والأحلام الوردية والوعود البراقة.