كتاب

الدفاع عن النفس حسب القانون الدولي



القانون الدولي الإنساني، والذي يُعرَف بقانون النزاعات المسلحة، أو قانون الحرب، هو عبارة عن مجموعة من القواعد التي تهدف إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة لدوافع إنسانية، كما أنّ هذا القانون يحمي الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة أو بشكل فعال في الأعمال العدائية أو الذين كفوا عن المشاركة فيها مباشرة أو بشكل فعال، كما أنه يفرض قيودًا على وسائل الحرب وأساليبها، وهو فرع من القانون الدولي العام، الذي يتألف بصفة رئيسية من معاهدات والقانون الدولي العرفي فضلًا عن المبادئ العامة للقانون، فهو القانون الذي يحكم سلوك الأطراف المنخرطة في النزاعات المسلحة (القانون في الحرب jus in bello)، وبالتالي فهو لا يبحث في وجود أسباب مشروعة وراء انطلاق شرارة النزاع من عدمه، وإنما يسعى بالأحرى إلى تنظيم سلوك أطراف النزاع فور اندلاعه.

فالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان هما مجموعتان متميزتان من القواعد القانونية لكنهما متكاملتان. وكلاهما يُعنيان بحماية أرواح الأفراد وصحتهم وكرامتهم، إلا أنّ القانون الدولي الإنساني ينطبق في أوقات النزاعات المسلحة فقط، بينما ينطبق قانون حقوق الإنسان في كل الأوقات سواء في حالات السلم أو الحرب.

أما القانون الدولي العام الذي يكرسه ميثاق الأمم المتحدة والذي ينظم مدى قانونية لجوء دولة إلى استخدام القوة المسلحة ضد دولة أخرى (قانون شن الحرب jus ad bellum). ويحظر هذا الميثاق اللجوء إلى القوة إلا أنه يتضمن استثناءين وهما: الأول في حالات الدفاع عن النفس ضد هجوم مسلح، والثاني عندما يخوّل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة استخدام القوة المسلحة.

ونتحدث عن الاستثناء الأول القاضي بعدم حظر اللجوء إلى القوة في حالة الدفاع عن النفس، حيث يعتبر مبدأ حظر الاستخدام للقوة في القانون الدولي من المبادئ الأساسية التي تأسست عليها الشرعية الدولية منذ نشوء منظمة الأمم المتحدة، وبمقتضى هذا المبدأ الوارد في المادة (2/4) من الميثاق، فيعتبر استخدام القوة أو التهديد باستخدامها أمراً محظوراَ بشكل مطلق في العلاقات الدولية، لحماية السلم والأمن الدوليين، وبالرغم من بعض الغموض الذي يعتري هذا المبدأ في الموضوع أو القصور الكامن في التطبيق، إلاّ أنه يبقى يوصف كقاعدة آمرة من قواعد النظام العام الدولي لا تجوز مخالفتها. وبالرغم من اعتبار هذا الحظر مطلقا إلاّ أنه كان من الضروري الإبقاء على حالات محددة يباح فيها استخدام القوة كاستثناء على المبدأ من قبيل الدفاع عن النفس.

ومنذ الهجوم الذي انطلق من قطاع غزة باتجاه المعبر الفاصل بين القطاع وبين الأراضي الفلسطينية المحتلة والمناطق المحاذية لسور الفصل العنصري، والخلاف محتدم في تحديد من له الحق في الدفاع عن نفسه، هل هي دولة الاحتلال أم حركة حماس، فالإعلام الغربي يشدد على أنه من حق دولة الاحتلال الدفاع عن نفسها، وفي المقابل الإعلام العربي يؤكد أنه من حق الشعب الفلسطيني الدفاع عن نفسه، وهنا نقول:

إن العملية العسكرية الكبيرة التي يقوم جيش الاحتلال ضد قطاع غزة وسكانه المدنيين من حيث القوة العسكرية وحجمها، والتي قد ترقى إلى مستوى محرقة، هي حسب ادعاءات دولة الاحتلال ومن يدور في فلكها من الدول الغربية ممارسة لحق الدفاع عن النفس، ولم يقم أيٌ منهم بتفنيد هذا الادعاء.

فمن يقول إن ما يقوم به جيش دولة الاحتلال ويصفه بأنه دفاع عن النفس قولٌ جانب الصواب، فاستخدام القوة في العلاقات الدولية محرمٌ إلا في حالة الدفاع عن النفس، وتأسيساً على ذلك جرت صياغة المادة (51) من الميثاق، وأضاف الميثاق إن أي استخدام للقوة لا يكون مسموحاً به إلا إذا كان استخداماً للقوة هو في الدفاع عن الوحدة الاقليمية والاستقلال السياسي للدولة المستهدفة (المتعرضة للهجوم) حصراً، وتأسيساً على ذلك جرت صياغة المادة (2/4) من الميثاق، وهذا يقودنا إلى القول إنه في حالة قيام مجموعة من الجنود من دولة ما باجتياز حدود دولة مجاورة، فهذا الفعل لا يعطي الدولة المجاورة حق استخدام القوة على أساس أنها تدافع عن نفسها، وذلك لأن مثل هذه الخروقات لا يمكن اعتبارها تهديداً للوحدة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لهذه الدولة.

ولو فرضنا جدلاً أن قطاع غزة هو دولة ذات سيادة ومجاورة لدولة الاحتلال، فهل يستطيع أي شخص أن يقول إن الصواريخ التي يطلقها جيش دولة غزة على دولة الاحتلال تهدد استقلالها السياسي او وحدتها الجغرافية؟ فمن المعروف للداني والقاصي أن دولة الاحتلال تعتبر من أقوى الدول في المنطقة والعالم إذا جاز التعبير عدةً وعديدا، والفضل يعود للدعم الأمريكي والغربي منقطع النظير، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك أسلحة نووية، وفي الوقت ذاته فهي ليست طرفاً في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.

ومما لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية قد خلقت قواعد جديدة في القانون الدولي الإنساني، مثل قيامها بالمبادرة في مهاجمة أي دولة قد تشكل تهديداً لها في المستقبل، كما استصدرت الولايات المتحدة من مجلس الأمن القرار رقم (1368). وتضمن ذلك القرار تطوراً خطيراً في القانون الدولي مؤداه أنه سمح باستخدام القوة ضد ما يسمى الإرهاب، ليتم اعتبار ذلك شكلاً من أشكال حق الدفاع عن النفس، وسارعت دولة الاحتلال إلى النحو منحى الولايات المتحدة الأمريكية والاستفادة من هذا التطور الخطير في القانون الدولي الإنساني وأصبحت تستخدم تعابير «الإرهاب» و «المخربين» لتبرير اعتداءاتها على الفلسطينيين وحركة حماس وعلى المقاومة اللبنانية (حزب الله) على حد سواء.

وبما أن قطاع غزة أرضاً محتلة، وليس هذا فقط بل ويخضع للحصار الخانق منذ سنوات طوال، وعندما يتصدى الإعلام الغربي وأبواقه للدفاع عما يقوم به جيش الاحتلال تجاه قطاع غزة، لا يتم ذكر أن القطاع محتل و/ أو انه واقع تحت حصار شديد الخطر على حياة المدنيين، بالإضافة إلى الإجراءات الأخيرة التي قام جيش دولة الاحتلال من قطع الكهرباء والماء والمواد الطبية والمساعدات الإنسانية، الأمر الذي يشكل انتهاكات واضحة للقانون الدولي الإنساني.

وفي مقابل ذلك فإن ما تقوم به المقاومة الفلسطينية من مقاومة لدولة الاحتلال، والتي جاءت كردة فعل على أعمال دولة الاحتلال الإجرامية، هي أعمال مشروعة دفاعاً عن النفس، فالمقاومة الفلسطينية تملك الحق في القانون الدولي في مقاومة الاحتلال لتحرير أرضها وإقامة دولتها، ولها في ذلك حق استخدام كافة أشكال المقاومة.

ونضيف هنا أن الحصار المفروض على قطاع غزة هو عقوبة جماعية وهذه جريمة تتنــــافى وقواعد القانون الدولي، وبالمقابل فإن مقاومة هذا الحصار فعل مشروع، بينما المقاومة الفلسطينية تسعى الى استرداد وحدتها الاقليمية والحفاظ عليها في وجه التمدد الاستيطاني الذي قطع أوصال الارض المحتلة.

ونضيف إن أهم الصفات الواجب توفرها في استخدام القوة دفاعاً عن النفس هو ما يسمى بـــ «النسبية»، أي أن الدولة التي تدعي أنها تقوم بممارسة حقها في الدفاع عن النفس يجب أن تستخدم من القوة ما يتناسب مع القوة المعتدية، أي بالقدر اللازم لرد الهجوم، وأن المبالغة في استخدام القوة في الدفاع تعتبر بحد ذاتها «عدواناً».

ومن خلال استعراض هذه السطور يمكننا أن نميز من له حق الدفاع عن نفسه، هل هي دولة الاحتلال أم حركة المقاومة الفلسطينية، حسب بنود القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي.