يأتي الهجوم العسكري واسع النطاق الذي تشنه المقاومة الفلسطينية من غزة عبر الحدود إلى الداخل الإسرائيلي منذ صباح أمس السبت، كرد فعل فلسطيني متوقع وغير مفاجئ على الغطرسة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
استطاعت المقاومة الفلسطينية السيطرة على عدد من المستوطنات الإسرائيلية بشكل كامل، وأخذ عدد من الأسرى من الجنود والمستوطنين، في أول نصف ساعة من العملية العسكرية، في المقاييس العسكرية يعتبر هذا الأمر تقدماً عسكريًا مرحليًا في العمليات القتالية.
الهجوم الفلسطيني تم تنفيذه على كل المحاور البرية والبحرية والجوية، حيث تقدمت قوات المقاومة برياً عبر الحدود، واجتاحت المستوطنات الى الداخل، واشتبكت مع قوات الجيش الإسرائيلي التي ولت مدبرة من هول الهجمات المنظمة للمقاومة، وعلى الجبهة الجوية أطلقت المقاومة آلاف الصواريخ التي لم تسطيع القبة الحديدية صد العديد منها، وعلى المحور البحري تم شن هجمات قوية باتجاه مواقع استراتيجية للجيش الإسرائيلي.
عنصر المباغتة فاجأ جيش الاحتلال وأطاح بأجهزته الاستخبارية التي فشلت فشلا ًذريعاً، وكشفت تخبطها وضعفها أمام العالم في توقع الهجوم المنسق والسريع للمقاومة، وهذا يعتبراً نصراً ذو معنى لسرية التخطيط والتنفيذ السريع والمباغت للعمليات من قبل المقاومة الفلسطينية.
تسمية العملية بـ«طوفان الأقصى» ذو مغزى وأبعاد أستراتيجية على مستوى الداخل الفلسطيني، الذي هب في كل انحاء فلسطين مؤيداً ومستعداً للانضمام بأشكال متعددة للمقاومة، بما في ذلك عمليات عسكرية من عدة مدن فلسطينية في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
وعلى المستوى العربي حظيت العملية على تأييد واسع النطاق لدى الراي العام والشارع العربي وخاصة في الأردن، وكذلك لدى الشارع الاسلامي. الخسائر الأولية والعدد الكبير من القتلى الإسرائيليين شكل صدمة نفسية كبيرة لكل الإسرائيليين سياسيين وعسكريين ومدنيين، وهي الصدمة الأكبر على هذا المستوى منذ حرب اكتوبر والعبور الكبير للجيش المصري قناة السويس وتحطيم خط بارليف العسكري الحصين عام ١٩٧٣.
رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو اعترف ضمنياً بمباغتته وبخيبته على تقديرات جيشه، واعترف بأنه يخوض حرباً حقيقية، وأعلن التعبئة العامة في إسرائيل، ووعد وتهدد بإنه سيخوض حرباً شرسة على غزة، وهو يحاول امتصاص حجم غضب الرأي العام في إسرائيل.
البعد الاستراتيجي الأهم في هذه العملية أنها لأول مرة يخوض الفلسطينون حرباً حقيقية واسعة النطاق على كيان الاحتلال الإسرائيلي وينجحون في اختراق الحدود وكل تحصينات الجيش الإسرائيلي بتخطيط محكم ونجاح كبير وملموس حتى الآن.
الغطرسة الاسرائيلية وحكم اليمين المتطرف، واقتحامات «الأقصى»، وتعذيب الأسرى الفلسطينيين في السجون الاسرائيلية، وحصار غزة منذ أكثر من عشر سنوات، ورفض السلام وإعادة حقوق الشعب الفلسطيني، وخطاب نتنياهو الأخير في الجمعية العامة للامم المتحدة، الذي الغى فيه أي وجود فلسطيني على خارطة فلسطين، كل هذا وغيره كانت عوامل مبررة للحرب الفلسطينية.
من يرفض السلام المشرف ويرفض حق الشعوب ويحتل أرضها وينتهك مقدساتها يدفع الثمن باهضاً مهماً امتلك من القوة والسلاح عاجلًا أو أجلاً.
بالرغم من توقع شدة الرد العسكري الإسرائيلي وبطشها المعتاد ضد الفلسطينيين والمقاومة لاستعادة جزء من هيبتها التي تهاوت امام العالم، وما سوف يدفعه الفلسطينيون من الضحايا والشهداء، إلا أن العملية بمجملها حققت نتيجتين استراتيجيتين بعيدتي المدى هما:
- أستعادة تصدر قضية حقوق الشعب الفلسطيني والقدس للاهتمامات الدولية. وتهاوت هيبة القوة الإسرائيلية وآلة الاحتلال وعدم شرعية المستوطنات اما الراي العام الدولي.
- ولا سلام إلا باقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
إسرائيل تدفع ثمن غطرستها، وستسمر بدفع الثمن إذا لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة على أرضه.
التحذيرات المتكررة التي اطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني في كل المناسبات، وأخيراً خطابه التاريخي في الامم المتحدة من حساسية الوضع في المنطقة، واحتمالات تدهور الاستقرار اذا لم يتم حل عادل لحقوق الشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، أثبتت دقة ورؤية الملك.
فلسطين تنتصر، وإسرائيل تدفع ثمن الاحتلال، والدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس قادمة لا محالة، وهذا ما نؤمن به إيمانًا مطلقًا.
Rzareer@hotmail.come