كتاب

رؤية الملك والتحديث السياسي.. نخب الاحزاب أم أحزاب النخب؟

شهد المجتمع الاردني خلال الفترة الماضية التي اعقبت اطلاق الرؤية الملكية للاصلاح الشامل نشاطا وحراكا سياسيًا في مختلف الاوساط الاجتماعية، وخاصة محور التحديث السياسي و العمل الحزبي لتشكل احزاب سياسية فاعلة او تحديث القائم منها وفق قانون الاحزاب.

ومن الملفت أن معظم النشطاء في تأسيس الأحزاب كانوا من القيادات السياسية السابقة من أعيان ونواب ووزراء سابقين بحيث وصل عدد النشاطين لأكثر من ٨٠ شخصية من الأعيان والنواب فقط.

أصبح يطلق شعبياً على هذه الأحزاب في كثير من الندوات والتعليقات، بأن معظمها أحزاب نخب منتقاة لن تستطيع تقديم وإنتاج أو تطوير نوعي جديد في الإصلاح، لأن قياداتها استنزفت في العمل العام ولم يعد لديها ما تقدمه للمجتمع لترجمة وتطبيق رؤى جلالة الملك عبدالله على أرض الواقع، وعجز الكثير من هذه القيادات عن الاصلاح أثناء وجودهم في مراكز صناعة القرار، ولكنهم يسعون إلى الحفاظ على البقاء في المشهد الوجاهي، مما سيعيق إنتاج اعداد كافية من الناشطين من النخب الجديدة وتقديمهم للمجتمع الاردني خاصة من خلال الانتخابات القادمة.

هناك نوعان من النخب الانسانية حسب علم الاجتماع السياسي. الأولى؛ تصنعها الأنظمة السياسية في الدول لخدمة الأنظمة بغض النظر عن أي اعتبارات اخرى، وفي كثير من الأحيان تنقلب هذه النخب على الأنظمة بعد خروجها من السلطة وفقد امتيازاتها، والثانية: تصنعها وتقدمها الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والمجتمعات وتكون أكثر إبداعا وابتكارا لخدمة المجتمعات وانظمتها السياسية وتقديم الحلول لمواجهة التحديات، وهذا ما يريده الملك عبد الله الثاني ويركز عليه في رؤيته الشاملة للإصلاح حتى تتمكن هذه النخب من تحمل المسؤولية الوطنية والتنفيذية إلى جانبه.

الانتخابات النيابية المقبلة في العام القادم ٢٠٢٤ هي فرصة كبيرة للاحزاب السياسية الاردنية لإنتاج نخب سياسية حقيقية جديدة قادرة على قراءة المشهد السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي اليومي في الاردن والتشابك معه بقوة، وتعزيز التوافقات بين السلطات الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية والمكونات السيادية والاجتماعية والنقابية الاخرى، وابتكار الحلول الممكنة للتحديات التي تواجه الشعب الاردني وخاصة في الشؤون الداخلية وتحديدًا الفقر والبطالة وإصلاح التعليم والنظام الصحي العام والتنمية المستدامة في الآقاليم والمحافظات، للانتقال من التقدم البطيء إلى زيادة الدفع للنهوض العام في قطاعات الدولة كافة.

إن الدولة الاردنية اليوم بحاجة ماسة إلى إنتاج قيادات ونخب سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعشائرية في كافة المحافظات والآقاليم في الدولية وليس نخب سياسية حزبية فقط في العاصمة عمان والمدن الرئسية ذات الثقل الانتخابي، وذلك لتنوير المشهد العام في ارجاء ومناطق الدولة.

تجدر الإشارة في هذا المقال إلى أن بعض مراكز إنتاج وتقديم النخب التقليدية خلال المئوية الاولى للدولة الاردنية، نجحت بتقديم العديد من النخب التي استطاعت ان تقدم خدمات متميزة يشار اليها بالبنان، ومن هذه المراكز الجامعات الأردنية واعضاء الهيئات التدريسية فيها، وقيادات المؤسسة العسكرية والمؤسسات التعليمية والإعلامية وغيرها...

الجديد اليوم في مهام الأحزاب السياسية أن تلعب دوراً وطنيًا رئيسياً لإنتاج وتقديم نخب للدولة والمجتمع، تكون قادرة على تحمل المسؤولية الوطنية، مبدعة في العمل العام، مبتعدة عن المصالح الشخصية الضيقة، وتقدم الخدمة الوطنية للدولة بكل مستويات ومجالاتها، وتشارك الملك في تحمل المسؤولية الوطنية للمستقبل.