كتاب

السودان: هل اقترب «حميدتي».. من «حسم» الحرب لـ«صالحه»

رغم عدم الاهتمام الذي بات يوليه «المجتمع الدولي» إزاء حرب «الجنراليْن» في السودان، وبخاصة تراجع الدور الإفريقي (دع عنك العربي غير المرئي وغير الفاعل أصلاً في أزمة خطيرة كهذه), الذي بات مشلولاً بعد اعتراض حكومة الجنرال البرهان على ترؤوس الرئيس الكيني لبعثة منظمة «ايغاد', التي رامت التوسّط بين «الجنرالين» بذريعة أن الرئيس الكيني منحاز لزعيم قوات الدعم السريع/حميدتي. فإن ما يتواتر من أنباء عن «قُرب» فقدان الجيش السوداني/البرهان «سلاح المُدرعات', الذي بات مُحاصراً من قبل قوات «حميدتي» بعد أن استطاعت قوات الأخير تسجيل «نجاحات» عديدة في الأسابيع القليلة الماضية, قلصت من بين أمور أخرى هامش المناورة أمام قوات البرهان عندما سيطرت (قوات الدعم السريع/ حميدتي)على قيادات الجيش ومطار الخرطوم والقصر الرئاسي وقيادة قوات الدفاع الجوي, في وقت تبذل فيها جهوداً مُضاعفة للسيطرة على «القيادة العامة» للجيش, حال سيطرت «الدعم السريع» على سلاح المدرعات ونجحت في اقتحام القيادة العامة، في ظل ارتفاع منسوب الإنشقاقات في صفوف الجيش السوداني (على ما أعلنَ حميدتي). إضافة إلى ما أُعلِنَ مؤخرا عن انضمام حركة مُسلحة بكامل عناصرها وعتادها, تحمل اسم «درع السودان» بقيادة لواء يدعى أبوعاقلة محمد كيكل لقوات الدعم السريع, لمحاربة - كما قال «الجنرال» كيكل - الفلول والانتصار لقضايا البلاد والمُهمّشين فيه.

وإذا كانت حرب الجنراليْن قد أوشكت على طي أربعة أشهر (إندلعت في 15 نيسان الماضي) من الحرب العبثية, التي أشعلها البرهان وحميدتي لمصالح شخصية وأنانية لكل منهما، رغم مزاعمهما التي لا يصدقها السودانيون ولا يقيمون وزناً لها, بعد الخراب الذي أحدثاه في والموت الذي نشراه في كل بقعة من السودان, وانهيار البُنى التحتية والخدمات وتشريد وتجويع مئات الآلاف من السودانيين نحو دول الجوار وداخل السودان، فضلاً عن تجاوز قواتِهما كل الخطوط الحمر, ودوسها على الأعراف والمحرمات والنواميس الإنسانية والأخلاقية والدينية، فإن «حسم» حميدتي وميليشياته «الحرب'الدائرة الآن بشراسة في مدن الخرطوم الثلاث (أم درمان/العاصمة الوطنية، الخرطوم بحري/العاصمة الصناعية, والخرطوم/العاصمة السياسية)، إضافة إلى دارفور ومناطق أخرى في غرب ووسط السودان، لن تنتهي حتى لو نصّب الجنرال محمد حمدان دقلو/حميدتي،نفسه رئيساً «مؤقتاً» للسودان وشكَّل مجلساً عسكرياً انتقالياً, بل وربما يلجأ إلى عقد صفقة مع بعض القوى السياسية المدنية لتشكيل حكومة «مؤقتة', تتولى التحضير لانتخابات عامة بعد ثلاث أو أربع سنوات (جرياً على بيانات الانقلابيين الذين توالوا على المشهد السوداني, منذ دشَّن الجنرال ابراهيم عبود أول انقلاب (17/11/1958), وليس إنتهاء بالانقلاب الأخير (5/11/2019) الذي انتهى في قبضة الجنرالين البرهان وحميدتي, واقتسامهما السلطة مع نيّات مُبيّتة من الطرفين للغدر بالآخر والتفرّد بالحكم. على ما ميّز مسيرتهما منذ «إنقلابهما» على الاتفاق السياسي مع قوى الحرية والتغيير, واقالة حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك «المدنية» في 25 تشرين الأول 2021.

ما سجّله الجنرال محمد حمدان دقلو/حميدتي من «انتصارات» ميدانية، وما باتت عليه ميليشياته من قوّة بعد ان «غنمتْ» عتاداً ومعدات وأسلحة متنوعة كانت متوفرة في مستودعات الجيش السوداني، أضف إليها ما «تبرّع» بها داعموه في الخارج الإقليمي والدولي, وهم «كثر» في ما يبدو أو أقله توفّر القدرة على ايصال الدعم بطريقة أو أخرى، يعني أن داعمي الجنرال الآخر/البرهان قد خذلوه وتخلوا عنه، أو أداروا ظهورهم له بعد فشله في «حسم» الحرب، وهو الذي كان يُعلِن أنه قادر على حسمها خلال أسابيع, بل رفضَ في أوقات سابقة أي مفاوضات مع «المتمرد» حميدتي, وانسحب ممثله من مفاوضات كانت تجري برعاية إقليمية (السعودية) ودولية (أميركا)، في وقت لم يتردّد «مستشار» الجنرال حميدتي في الزعم, أن الدعم السريع تريد «حلاً» من أجل سلام دائم، مُشدداً على أنهم قوة «منظمة» لا ميليشيا، وأنهم – أضافَ – ليسوا دعاة حرب، وان باستطاعتهم «الصمود في المعارك لسنوات».

في السطر الأخير.. السودان ذاهب إلى اللبننة وربما الصوملة، ولن يُفيد جنرال الدعم السريع/حميدتي, سيطرته على «سلاح المدرعات» الذي يحاصره الآن، كما لن يجِد البرهان من يهاتفه إذا ما وعندما تنهزم قواته أو تتحصن في ولاية سودانية أو أكثر.. لأنهما – جنرالا الانقلاب – خسِرا كل تعاطف أو تأييد, ظنّا انهما يتوافران عليهما داخل السودان وخصوصاً خارجه. بعد أن حوَّلا السودان إلى ساحة حرب وفوضى وأدخلا السودانيين في «مفرمة» لحم وحرب لم تُكتَب نهايتها, بعد عند الذين شجّعوهما على «إنفراد» أحدِهما... بالسُّلطة.

kharroub@jpf.com.jo