كتاب

دروس من فرنسا

عاشت فرنسا أياماً عصيبة، خسرت خلالها العشرات من القتلى والجرحى، بالإضافة لخسائر مادية تقدر بالملايين، ناهيك عن الأذى الذي لحق بصورة فرنسا داخلياً وخارجياً.

إن كل هذا الذي خسرته فرنسا جاء نتيجة تصرف أرعن لشرطي عنصري أدى إلى مقتل مواطن، وهي واقعة تؤكد أن سلوك وممارسات الشرطة في الشوارع وكيفية تعاملهم مع المواطنين، تلعب دوراً كبيراً في تحديد توجهات المواطنين نحو دولتهم وعلاقتهم بها، من هنا ضرورة وأهمية تدريب العاملين في سلك الشرطة على أساليب وفنون التعامل مع الناس.

تصرف الشرطي العنصري الأرعن كان السبب المباشر لما عاشته فرنسا من أحداث دموية، كما كان سبباً كاشفاً عن أسباب أخرى لهذا الذي جرى في فرنسا، وأول ذلك أن هذه الجموع التي خرجت إلى الشوارع وعملت فيها حرقاً ونهباً، حركها أساساً إحساسها بغياب العدالة الاجتماعية، الناتح عن تفوت طبقي مقيت، اكثر الناس إحساساً به هم سكان الأحياء المهمشة، وحرمان سكان هذه الأحياء من أبسط حقوقهم بالخدمات والرعاية.

ماشهدناه في فرنسا يعكس غياب الانتماء للمكان الذي يعد أول نتائج الإحساس بغياب العدالة وبالتهميش، ليحل محله الحقد الذي يعبر عن نفسه عند أول فرصة، عندما يتحول إلى قتل وتدمير ونهب، آخذين بعين الاعتبار أن مثل هذه الظروف تشكل غطاء مناسباً للعصابات للتتحرك وتحقق أهدافها في ظل أوضاع يختلط فيها الحابل بالنابل.

الحقيقة الكبرى التي كشفت عنها أحداث فرنسا، هي حجم العنصرية التي تتحكم بالمجتمع الفرنسي خصوصاً والغربي على وجه العموم، فبالرغم من أن جيلاً ثالثاً من الجزائريين والتوانسة والمغاربة والأفارقة عموماً قد ولد وترعرع في فرنسا وساهم في بنائها وتطويرها، إلا أن نظرة عنصرية فوقية تحكم سلوك الفرنسيين نحو هؤلاء الفرنسيين بالمولد والنشأة، وإن كانوا ذوي أصول أفريقية.

الحقيقة الكبرى الثانية التي كشفتها أحداث فرنسا، هي أكذوبة تحضر وتمدن الغربيين، والدليل أنه كلما أتيحت لهم الفرصة ولو كانت انقطاع التيار الكهربائي، فإن مدن الغرب تتحول إلى ساحات للنهب والسلب والاغتصاب والعنف الذي شهدنا نموذجاً منه في باريس وغيرها من المدن الفرنسية، وقبل ذلك في نيويورك وغيرها من المدن الأميركية، وهي حالة تقول إن الغربيين ينضبطون خوفاً من القانون وينفلتون عند أول فرصة تتاح لهم.