كتاب

«ريشي سوناك» إذ يتحدث عن.. «معاناته العنصرية» في شبابه!

في تصريح لافت وربما غير مسبوق لشبكة BBC البريطانية, أكّد رئيس الوزراء ريشي سوناك (أول رئيس حكومة للمملكة المتحدة من أصل هندي), انه «عانى العنصرية في شبابه», مُشيراً إلى «مدى الألم الذي أصابه جرّاء ذلك». تصريح «مُثير» كهذا يستدعي من بين أمور أخرى, طرح المزيد من الأسئلة, وما إذا كانت بريطانيا بل والحكومات والمجتمعات الغربية في شكل عام قد «تطهّرتْ» من العنصرية؟.

بدءاً من زعيمة العالم الحُر التي تدّعي الدفاع عن الحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان والتسامح, وغيرها من مصطلحات الرطانة التي يصدع الرجل الأبيض رؤوسنا صباح ومساء في تكرارها بغطرسة واستعلاء واحتكار التفوّق, وليس انتهاء ببريطانيا وخصوصاً وريثة شعارات الثورة الفرنسية: الحرية، المساواة والأخوة, التي تدور في ضواحي وشوارع عاصمتها ومدنها, مظاهرات ومواجهات وأعمال شغب منذ ستة أيام مضت, أشد عنفاً وضراوة من تلك التي حدثت في العام 2005, عندما كان نيكولا ساركوزي وزيراً للداخلية والذي لم يتورّع عن وصف المُحتجين بأ?ّهم «رعاع', ناهيك عما جرى ويجري في الولايات المتحدة من استهداف لذوي البشرة السوداء.

وإذ كان ريشي سوناك قد اعترف بأنه عانى العنصرية ويعلم -كما قال-أنها ما تزال موجودة في المجتمع البريطاني, فإنّ وصف العنصرية بأنّها «تلدغك مثلما تفعل أشياء أخرى قليلة جداً، أقوم –أضاف- بعمل يُعرّضني للانتقاد كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة»، مُوضحاً أنه أمر يلدغك.. «إنه مؤلم»، وصف كهذا يزيد من الإحباط خاصة عندما تأتي أوصاف صادمة من زعيم سياسي، لكنه لم يستخلص دروس وعِبر ما حدث له وما عاناه, عندما أصبح في مقدوره محاربة ظواهر غربية لا إنسانية وغير أخلاقية أو قانونية, ما تزال تجد لها مساحات واسعة في الغرب «المُتنوِّر و?لديمقراطي», بل يواصل انتهاج السياسات العنصرية نفسها ضد دول الجنوب, وبخاصة شعوب الدول التي تتعرض لعسف الأنظمة الديكتاتورية والفساد. أنظمة فاسدة ومُستبِدة تتحالف معها الدول الاستعمارية, وفي الوقت ذاته تواصل شن الحروب وغزو دول وأنظمة وشعوب ترفض السير في ركابها. وما تزال بريطانيا تُفاخر بدورها في إنشاء الدولة الصهيونية العنصرية على أرض فلسطين, غير آبهة بدعوات الاعتذار أو تلاوة فعل الندامة خاصة في عهد تيريزا ماي.. قبلها وبعدها أيضاً.

يروي سوناك في مقابلته مع شبكة BBC البريطانية, أنه «كان في أحد الأيام مع أخيه الصغير وأخته الصغرى في ساوثهامبتون (جنوب إنجلترا).. وقال الناس - أضافَ - أشياء عديدة وشعرتُ بألم مُضاعف، شعرتُ - واصلَ - بالضيق إذ كنت بصحبة أخي وأختي ولم أرغب في أن يسمعوا أو يتعرّضوا لذلك.. كان الأمر صعباً للغاية». هنا لم يتوقّف سوناك بل زعم أن «البلاد تغيّرت», مُستطرِداً أن «ما يريحني أن الأمور التي تعرّضتُ لها عندما كنت طفلاً, أعتقد أنها لن تحدُث لأولادي الآن، لأننا -أضافَ- أحرزنا تقدّماً كبيراً جداً كدولة ويجب أن نفخر بذلك، ?ُنهياً تصريحه بالقول «لا مكان للعنصرية والتمييز على أساس الجنس أو أي شيء آخر في مجتمعنا, وعندما نُصادفها علينا القضاء عليها».

يمكن لأي زعيم غربي أن يُكرر الكلام الذي أطلقه رئيس الحكومة البريطانية, بل خصوصاً مُجرمو الحرب في دولة العدو الصهيوني, التي يصفها سوناك وقادة المعسكر الغربي بأنها «الفيلّا في الغابة», والدولة «الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط», و«سلاح جيشها الأكثر طهارة في العالم». فكيف يمكن للمرء أن يُصدّق مزاعم وخزعبلات كهذه؟.

هنا بعض الأمثلة التي تدخض كل هذه الهرطقة.

** رغم قرار محكمة الاستئناف البريطانية بـ«عدم قانونية» خطة الحكومة البريطانية ترحيل المهاجرين غير القانونيين إلى رواندا, فإنّ حكومة ريشي سوناك قرّرت «الطعن» في قرار المحكمة, مُتعهِدة بمواصلة المعركة القضائية.

** مثال آخر: تتدافع قادة إيطاليا ورئيسة الاتحاد الأوروبي ورهط كبير من رؤساء حكومات أوروبية إلى تونس, للضغط على الرئيس التونسي كي يقبل بأن تصبح تونس «حارساً» للحدود الأوروبية, ومنع المهاجرين من النزول على الشواطئ الأوروبية, مقابل حفنة من اليوروهات, مُستغلين الضائقة الاقتصادية والمالية التي تمر بها تونس. فيما فتح هؤلاء حدودهم بلا ضوابط أو محاذير للاجئين الأوكران (البيض), وأبدوا سخاءً غير مسبوق تجاههم مع ضخ أكثر من 88 مليار دولار في خزينة نظام زيلينسكي. وما تزال الولايات المتحدة والناتو وبريطانيا (..) يواصلون?مدّ كييف بأحدث الأسلحة والذخائر وآخرها القنابل العنقودية المحظورة دولياً, لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا.

** دون أن ننسى أو نهمل مليارات الدولارات التي دفعها الأوروبيون خلال السنوات الماضية لتركيا, كي تُحكِم إغلاق حدودها في وجه اللاجئين والهاربين من الحروب في آسيا والشرق الأوسط, حتى لا يتدفّقون على القارة العجوز.. (البيضاء كما يجب التذكير).

kharroub@jpf.com.jo