محزن ومؤلم ما يحدث في السودان من حرب الجميع فيها خسران ومتضرر من حصيلة الفوضى والدمار والاقتتال، ولعل من المناسب الإشارة إلى المشكلة الإنسانية الشائكة عند وقوع الأزمات والتعامل مع المدنيين بشكل خاص.
اندلاع الأزمات يؤدي إلى تبعيات قاسية على الجميع ومن ضمنهم الفئات المتضررة سواء العائلات والأفراد وطلبة العلم وحتى المستثمرون في مناطق الأزمات والذين تتباين مصالحهم في السودان ما بين الصناعة والتجارة والأعمال الحرة.
يحتاج إجلاء المدنيين في مثل الأوضاع في السودان إلى جهود مكثفة لاتساع المسافات وتنوع طبيعة المقيمين على الأراضي السودانية وطبيعة أعمالهم وأسباب تواجدهم لغرض الدراسة على سبيل المثال وتمثيل بعض الشركات العاملة.
في مثل حالات الأزمات وفي المراحل الأولى حيث لا تكتمل المعلومات والإجراءات وتنتشر بعض الإشاعات وأعمال الفوضى، يشعر المدنيون بالخوف والتوتر والقلق والحذر، وكم من مرة ومع ثنايا الأزمات السابقة سواء في العراق، الكويت، سوريا، تركيا، أوكرانيا، روسيا، اليمن، الجزائر، بقيت الظروف الصعبة والقاسية تنزل على المدنيين وعند المعابر الحدودية عليهم بثقل وتجبر ومقايضة.
هناك الكثير لعمله على مستوى الدول والأفراد والمنظمات والهيئات ذات العلاقة بالعمل الإنساني والمساعدات والإغاثة والتدخل وحل النزاعات ولكن يبقى المدني في ظل الأزمات العنصر الضعيف في المعادلة السياسية والتي تفضي إلى الإجراءات القانونية ذات الصلة، ولعل أوضاع الطلبة الدارسين في الجامعات السودانية ومنها كليات الطب والتخصصات الأخرى لها طابع أكاديمي وإنساني يحتاج إلى خطط مستقبلية في حال حدوث أزمات مماثلة والتركيز على الإجراءات المنظمة والناظمة لتدفق طلبة من الخارج وبشكل مفاجئ.
إجلاء المدنيين يحتاج إلى صبر وروية وتدقيق ومتابعة رسمية وشخصية، ومهما كانت إمكانيات السفارات والهيئات الديبلوماسية، إلا أن غياب المعلومات الدقيقة والبيانات عن المقيمين يجعل من الإجراءات تبدو في غاية الصعوبة.
الشق السياسي للازمة في السودان والاقتال له خصوصية، وفي مثل تلك الحالات لا يمكن التدخل سوى في النواحي الإنسانية والمساعدات والإغاثة وتوفير الحماية للمدنيين لحين إجلائهم من مناطق الأزمات وبشكل أمن.
يستضيف الأردن العديد من الجنسيات ومن مختلف الدول بترحاب واحترام وتحمل لأعباء إضافية ضمن إمكانياته المحدودة وموارده المتاحة، وتتنوع الاستضافة من أثر الأزمات إلى استقرار وعمل وأسباب أخرى تتراوح ما بين العلاج والدراسة والزواج وبعض الحالات الخاصة، وتشكل تلك الأعداد المتزايدة حالة إنسانية ونتيجة عوامل طرد وجذب بين الدول ذات الأزمات والظروف الطارئة.
الترتيبات المناسبة لإجلاء المدنيين تتم بالتنسيق بين الدول ووفق الأنظمة والقوانين المتبعة، ولكن هل نعي بحق حجم ما يتحمله الأردن من تبعيات نتيجة إجلاء المدنيين نتيجة الأزمات والظروف سواء في قطاع التعليم والصحة والمياه والخدمات المطلوبة جراء ذلك وأكثر؟
قضية اللجوء الإنساني ليست بالسهلة وقصيرة الأمد وليست إجراءات وترتيبات، ولكنها عوامل استقرار وثبات وأمن يجب توفيرها للمدنيين في أرجاء العالم بعيدا عن أجواء الحروب والتي تعصف بالدول دون هوادة.
يتحول المدنيون إلى متضررين وإلى حالات إنسانية يجب التعامل معها برفق وبعد نظر وإجراءات دقيقة وسيطرة ومراقبة ومتابعة، ولعل أجيال الأزمات تتوزع حول العالم، ولدت وترعرعت في ظروف قاسية وصعبة والله أعلم بما في وجدانها من صور ومعاناة وقناعات تجاه ما تعرضت له من ضغوطات وتداعيات مرعبة.
عمليات ما بعد إجلاء المدنيين هي من التحديات المستقبلية على المنطقة وبما سوف تفرضه من أزمات مشابهة يجب التعامل معها بحذر وروية وبشكل مستقبلي واضح.
حمى الله السودان وشعبه والمقيمين على أرضه من الخطر والسوء وعاقبة الحروب.
[email protected]