* الإعمار الهاشمي للمقدسات الإسلامية وخاصة الأقصى بصمات راسخة
قبة الصخرة قلب مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، هي أحد أهم المعالم الإسلامية في فلسطين ورمز من رموزها الإسلامية العريقة، أمر ببنائها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان وتم تشييدها بين عامي 66 هـ/685 م و72 هـ/691 م. تقع قبة الصخرة في حرم المسجد الأقصى المبارك، أقيمت القبة على الصخرة التي عرج بها النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلى في ليلة الإسراء والمعراج تلك المعجزة والليلة التي فرضت فيها الصلاة على المسلمين.
وتقع قبة الصخرة المشرفة في المسجد الأقصى المبارك، وتستمد قدسيتها من قوله تعـالى كما ورد في مطلع سورة الإسراء «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير» ومن الحديث الذي رواه أبو ذر الغفاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما سأله: أي المساجد وضع على الأرض أولا؟ فقال عليه السلام: المسجد الحرام. قال: ثم قال أي؟ قال مسجد بيت المقدس، قال: كم بينهما؟ قال: أربعون عاما وصل حيث ما أدركتك الصلاة.
وقال عليه السلام «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا» فتوجه المسلمون صوب بيت المقدس واتخذوا منه قبلة لهم حوالي 16 شهرا.
فبعد الفتح العمري لبيت المقدس، واكبت الانتصارات أعمال عمرانية كثيرة لتكون شاهدة على عظمة الإسلام وعز المسلمين فتخلّد ذكر من قام بالبناء هذا المسجد الشامخ حيث حضر الخليفة عبد الملك بن مروان شخصيا إلى بيت المقدس، وأرسل بكتبه إلى الأمصار يستشير رعيته فيما يصنع، فكانت إجابتهم «نرى رأي أمير المؤمنين موافقا ورشيدا إن شاء الله يتم له ما نوى من بناء بيته وصخرته ومسجده ويجري ذلك على يديه ويجعله تذكرة له ولمن مضى من سلفه». فكلّف اثنين ممن يثق بهما، وهما أبا المقدام رجاء بن حيوة من بيسان ويزيد بن سلام من بيت المقدس. ?أوكل إليهما ببناء قبة السلسلة الموجودة الآن قبالة الصخرة كنموذج اولي فأعجبته وأمر بالبناء على هيئتها حيث أوقف عليها خراج مصر لسبع سنوات. وفاض عن بناء قبة الصخرة حوالي مائة ألف دينار فأرسلوا للخليفة عبد الملك بن مروان أن ينفقها فيما يحب. فكتب إليهما: قد أمرت لكما بجائزة لما وليتما من عمارة البيت الشريف، فكتبا إليه: نحن أولى أن نزده من حلي نسائنا فضلا عن أموالنا، فاصرفها في أحب الأشياء إليك، فأخبرهم بأن تسبك وتفرغ على القبة.
وحافظت قبة الصخرة على بنائها من ناحية معمارية وفنية كمثال لأقدم بناء إسلامي بما فيها من فسيفساء وقطع حجرية تشكل إحدى التحف الفنية المعمارية للحضارة الإسلامية.
ومبنى قبة الصخرة مثمن الشكل من الخارج طول ضلعه 12.5 مترا، في داخلها تثمينه تقوم على دعامات وأعمدة أسطوانية في وسطها دائرة تتوسطها الصخرة المشرفة وتقوم عليها القبة ذات القطر 20.44 مترا وارتفاعها عن الصخرة نحو 34 مترا.
وتعرضت الصخرة المشرفة للزلازل منها عام 86 هجرية/704 ميلادية لكنه لم يؤثر فيها، كما أنها تعرضت لاعتداء الصليبيين إبان فترة حكمهم لبيت المقدس، حيث اتخذوا منها كنيسة لهم ودفنوا الصليب على ظهرها وقطع قساوستهم قطعا من حجارة الصخرة، وأخذوها إلى أوروبا وباعوها بوزنها ذهبا.وبعد تحرير بيت المقدس من الصليبيين أعاد لها صلاح الدين بهجتها.
وفي عهد محمد بن قلاوون صنعت لها أبواب نحاسية، وفي عهد الملك الظاهر جقمق أنعم على ناظر الحرم القدسي بـ2500 دينار من الذهب و120 قنطارا من الرصاص فعمر بهما القبة من الخارج.
أما السلطان أشرف قايتباي فقد جدد الأبواب النحاسية للمداخل الرئيسة سنة 872هـ/ 1467م، وفي العهد التركي أضافوا على جنبات الصخرة المشرفة القاشاني.
وفي عام 1958م أمر الملك الحسين بن طلال الحكومة الأردنية بعمليات ترميم لقبة الصخرة المشرفة استغرقت خمس سنوات وأعيد تجديدها عام 1995 م.
أما قبة الصخرة المشرفة فلها قبتان داخلية وخارجية، سفلى وعليا، بينهما فراغ مقداره 1.5 متر، وهو لسهولة التنقل إلى أي مكان فيها وصيانة كل منهما في أي موقع كان وهذا الفراغ عازل يخفف من برودة الشتاء وحر الصيف. القبة الخارجية عبارة عن معدن من الألمنيوم محروق بالنار وعليه طبقة خفيفة من الذهب كي يعطيها مدة بقاء أطول، بينما غالبية نمط القبة الحالية يعود للقرن الحادي عشر للميلاد حيث أقيمت على يدي الخليفة الظاهر، وكتبت سورة الإسراء في أسفل القبة. القسم العلوي من القبة مزخرف بزخرفة متميزة جمالية، وتظهر الكتابة أنه صنع?على يد ابن قلاوون في القرن الرابع عشر الميلادي.
وزخرفة القبة من أهم زخارف المسجد الأقصى خاصة زخرفة الإطار وتلك التي تظهر بين الشبابيك خاصة في تلك المنطقة الخالية التي أخرج منها ذاك الإطار المزخرف باللون الذهبي، وفيها الأجنحة والألوان المذهبة وعليها أوراق شجر ملون وهي زخارف أموية.
ويقول خبير الزخرفة والتذهيب في لجنة الاعمار التابعة للأوقاف الإسلامية في القدس التابعة لوزارة الأوقاف الأردنية سيف الدين سُميرة ابن البلدة القديمة في القدس لقد استغرقت عمليّة ترميم زخارف قبّة الصخرة ثماني سنوات.
وأضاف سُميرة في لقاء خاص بـ(الرأي) اعمال في لجنة اعمار المسجد الأقصى منذ العام ١٩٧٣ لقد تم تذهيب حوالي 900 متر مربّع، وهي مساحة القبّة الذهبيّة من الداخل، وهي عملية تركيب وتذهيب وطلاء من جديد بالذهب عيار ٢٤ عبارة عن ورق خاص تشتريه لجنة الاعمار من فرنسا لتذهيب زخارف قبة الصخرة المشرفة.
وأوضح أن العمل صعب ولكنة ممتع، فعملية تثبيت الذهب على الجدران يحتاج لعملية تثبيت تستغرق ١٤ ساعة مسبقاً قبل التركيب عليها حتى تكون جاهزة للعمل وهذه المادة خاصة نحضرها من إيطاليا فنقوم بطلاء هذه المادة على المناطق المتضررة والتي نريد ان نركب الذهب عليها ونتركها ١٤ ساعة ثم بعد ذلك نقوم بعملية التذهيب والتركيب ثم نقوم بدهان الذهب بمادة تطفئ الاشعار والبريق كي يتناسب مع الذهب القديم الموجود اصلاً وفي نفس الوقت تعطيه طبقة بلاستيكية شفافة تحفظه وتسهل عملية تنظيفه وكي تمنع تجريح المناطق المذهبة.
وتابع سُميرة يقول: "في العادة نحن نستخدم الألوان المائية ونستخدم الألوان الأسود والزيتي في عملية الترميم والصيانة والتذهيب تبقى قبة الصخرة المشرفة بأبهى صورها دائماً، ولا شك أن تذهيب الزخارف الجبسيّة والرخاميّة، وهي عمليّة تحتاج دقّة عالية وتمرّ بمراحل عدّة؛ بدءًا من التهيئة، مرورًا بتنعيم الزخارف وطلائها بمادّة 'الشلق' لإغلاق المسامات الجبسيّة، تتبعها مادّة تثبيت لزجة وشفّافة تحتاج إلى ما لا يقلّ عن اربعة عشر ساعة لتجفّ، ثمّ التذهيب".
ولفت إلى أن تذهيب وترميم زخارف قبّة الصخرة بمساحتها الضخمة حوالي 900 متر مربّع استغرقت ثماني سنوات،، وقد أُعيد تأسيس مساحات معيّنة منها تعرّضت لأضرار بالغة نتيجة تسرّب مياه الأمطار.
وقال يشمل مبنى قبّة الصخرة المشرّفة، والذي كُسِيَت جدرانه بالرخام، الصخرة ومن أسفلها المغارة، والتي تشير المرويّات الإسلاميّة إلى عروج الرسول محمّد (ص) منها نحو السماوات العُلا، كما يضمّ حاجزًا خشبيًّا مزخرفًا كان صلاح الدين الأيوبيّ قد أحضره معه لدى تحريره القدس، بالإضافة إلى أربعة أبواب وشبّاكين اثنين.
من الخارج، كُسِيَت جدران المبنى ذي الأضلاع الثمانية بالبلاط القيشانيّ أزرق اللون، أمّا الشبابيك الستّة الخارجيّة فمصنوعة من الجبس، ومزخرفة بزجاج ذي أشكال هندسيّة تضمن حماية الأجزاء الداخليّة من عوامل الطبيعة، في حين صُنِعَت الشبابيك الداخليّة من الزجاج المعشّق. أمّا القبّة نفسها، فتتكوّن من ثلاثة أقسام؛ هي الرقبة المشغولة بالفسيفساء، والقبّتان الداخليّتان اللتان يبلغ ارتفاعهما أربعة وثلاثين مترًا، وهما مشغولتان بالخشب والجبس والألوان والذهب، والقبّة الخارجيّة المصنوعة من معدني النحاس والنيكل المطليّين بالذهب، وقد احتاجت القبّة الخارجيّة عند ترميمها آخر مرّة إلى ثمانين كيلو من الذهب. على نفقت المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه.
وقال مهندس لجنة الإعمار في المسجد الاقصى المبارك بسام الحلاق لـ(الرأي) على ان مبنى مسجد قبة الصخرة المشرفة قديم ويحتاج للصيانة والترميم الدائم، إذ يعود تاريخ الزخارف الموجودة في مبنى قبّة الصخرة إلى زمن تأسيسها وبنائها في القرن السابع الميلاديّ، وقد شهدت على مدار السنوات الماضية على الرعاية الهاشمية، وفي القرون اللاحقة عناية كبيرة من الحكّام المسلمين.
وأضاف لقد استخدم الفنّيّون ثلاثة ألوان رئيسيّة سيطرت على زخارف قبّة الصخرة، هي الأخضر والأزرق والذهبيّ، إضافة إلى مشتقّاتها وألوان أخرى ثانويّة. ويبرز النمط الكتابيّ في لوحات الفسيفساء داخل قبّة الصخرة، إذ ثمّة شريطان كتابيّان بالخطّ الكوفيّ لآيات قرآنيّة، وكذلك إشارة إلى تاريخ المبنى، نُفِّذت باستخدام الفسيفساء المذهّبة على أرضيّة زرقاء. يبلغ طول الشريطين 240 مترًا، ويقعان في الجزء العلويّ للتثمينة الداخليّة (الأضلاع الثمانية) من الداخل والخارج، وتشير تلك الكتابات في مجملها إلى وحدانيّة الله وفق المنظور الإسلامي.
وتمتاز الزخارف التي تتركّز على وجهي التثمينة الداخليّة أساسًا، بكونها نباتيّة، وهو ما يتوافق مع التوجّه الإسلاميّ العامّ الذي يبتعد عن تجسيد البشر والحيوان ويحرّم التماثيل، ما جعل الفنون الإسلاميّة تلجأ إلى النباتات. كما تعتمد على عناصر هندسيّة كالمربّعات والدوائر والإطارات، وتشمل المجوهرات بمختلف أشكالها، والصدفيّات، والمزهريّات.
وأوضح الحلاق أن للنمط النباتيّ المستخدم في هذه الزخرفات نماذج متعدّدة؛ منها الأشجار المثمرة، كالنخيل والزيتون والرمّان والتين واللوز، بالإضافة إلى الأوراق النباتيّة مختلفة الأشكال والأنواع، مثل ورق نبتة الأكانثاس. وُضِعَت الفواكه في سلال أو صحون، كما صُمّمت عروق النباتات بطريقة تُظهرها وكأنّها تفيض من قلب المزهريّات، التي زُيّنت أجسامها بمختلف أشكال المجوهرات، مثل العقود والأساور والأقراط والأهلّة والنجوم، المفصّصة جميعها بالأحجار الكريمة.
من اهم مشاريع الاعمار المعطلة قال الحلاق مشروع إطفاء الحريق بالمسجد الأقصى لا سمح الله اندلع حريق في المسجد ليس لدينا جهاز كامل لإطفاء الحريق، رغم أن الملك عبد الله الثاني قبل بضع سنوات تبرع بسيارة إطفاء مجهزة بكامل المعدات والتجهيزات ألا ان الاحتلال اشترط وضع هذه السيارة في مقر الاطفائية في وادي الجوز وليس في المسجد الأقصى. وهناك مشروع إنارة قبة الصخرة المشرفة من الداخل والخارج، وترميم وتبليط أجزاء واسعة من الساحات والمساطب والمرافق التي تحتاج الى ترميم ويمنع الاحتلال تنفيذ ذلك.
مسيرة الاعمار الهاشمي في المسجد الأقصى:
الإعمار الهاشمي الأول
وهو الإعمار الذي تم سنة 1924 م على يد الحسين بن علي شريف مكة وابنه مؤسس الأردن عبد الله بن الحسين. فقد تبرع الشريف حسين بمبلغ 24 ألف ليرة ذهبية لتصرف على إعمار المقدسات الطاهرة، حيث تم تسليم المبلغ إلى رئيس لجنة إعمار المسجد الاقصى المبارك الشريف الحاج أمين الحسيني تحت إشراف الأمير عبد الله بن الحسين، وقد اشتمل هذا الإعمار على:
تجديد عمارة قبة الصخرة المشرفة.
تجديد عمارة المسجد القبلي.
الإعمار الهاشمي الثاني
بعد تولي الملك الحسين بن طلال سلطاته الدستورية عام 1953 م خص القدس والمقدسات الدينية عناية واهتمام كبيرين، فقد أمر عام 1954 بتشكيل لجنة لإعمار المقدسات الإسلامية في القدس الشريف تحت الرعاية الهاشمية.
اشتمل هذا الإعمار على الأعمال الآتية:
اعمار المسجد الأقصى المبارك
تركيب أعمدة رخامية لأربعة أروقة.
تركيب نوافذ من الزجاج الملون.
ترميم السقف والجدران الداخلية والخارجية.
إعمار قبة الصخرة المشرفة
تركيب قبة خارجية من الألمنيوم ذهبي اللون.
تركيب رخام للجدران الداخلية والخارجية، وإعادة ترميم الفسيفساء فيها.
ترميم البلاط القيشاني الخارجي وزخرفتها بآيات قرآنية من سورة «يــس» وسورة «الإسراء».
أقيم احتفال بعد إتمام الإعمار بتاريخ 6 يوليو 1964 م في الحرم القدسي الشريف برعاية الملك الحسين بن طلال.
الإعمار الهاشمي الثالث
جاء هذا الإعمار بعد أن تعرض المسجد الأقصى للحريق المتعمد عام 1969 واستمر إلى عام 1994، وذلك بأمر من الملك الحسين بن طلال، إذ تم تشكيل لجنة من العلماء والمهندسين والفنانين المختصين لإعادة إعمار المسجد الاقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة داخله، والمباني الدينية الأخرى في المسجد الاقصى المبارك. وقد تبرع الملك الحسين بن طلال، بتكاليف الإعمار بمبلغ 8.25 مليون دينار أردني.
المعالم التي شملها الإعمار الهاشمي الثالث
إعمار المسجد الأقصى المبارك
إزالة آثار الحريق الذي دمر حوالي ثلث المسجد.
إعادة صنع منبر صلاح الدين المسجد الأقصى لتأتي صناعته أقرب ما يكون للمنبر المحترق.
ترميم القبة الخشبية الداخلية والرخام والأسقف والأقواس والأعمدة والزخارف.
إعادة تركيب القبة الخارجية باستبدال ألواح الألمنيوم بأخرى من الرصاص، وأعيد تركيب سورة الإسراء بالفسيفساء المذهبة.
تركيب جهاز للإنذار وإطفاء الحريق.
إعمار قبة الصخرة المشرفة
كان أعظم ترميم لقبة الصخرة في هذا الإعمار إذ استبدلت القبة الخارجية بقبة جديدة من صفائح النحاس المخلوط بالزنك، ومع معالجته بطبقه من الكروم وأخرى من الذهب عيار 24.
تحسين نظام مزاريب الأمطار.
صيانة الزخرفة الداخلية في القبة الخشبية والجدران والأسقف.
تركيب جهاز للإنذار وإطفاء الحريق.
إعمار وترميمات أخرى في ساحة الحرم القدسي الشريف
ترميم قبة السلسلة.
ترميم المتحف الإسلامي.
ترميم باب الرحمة.
ترميم جامع المدرسة الأرغونية.
ترميم سوق القطانين.