المؤسف أننا سنترك للأجيال القادمة من الجنس البشري تاريخ مزيف، على هامش بطولات وهمية وحروب خضناها بالبعد الثالث، ولكنه التاريخ الوهمي الذي تكتب أحداثه وترسم معالمه بلغة القوة، وليس له علاقه بالواقع أبداً، فالتاريخ يكتب أحداثه المنتصرين، أصحاب النفوذ والقوة دائما، حتى ولو تصور البعض أنه قد حقق نجاحات عرجاء قد قيمها بميزان مختلف ضمن معطيات وأسس مفصلة؛ لهذا نرى أن الدول صاحبة السطوة والقوة، أدخلت الكرة الأرضية بحقبة استعمارية جديدة ومتجددة، فقد استطاعت فرض مسارات ومدارات حديثة وغير مألوفة لصنع حضارات وامبراطور?ات فجعلت كوكبة من الدول بمختلف قارات العالم تسير فيها وتدور في مدارها، تربطها بقوة مغناطيسية نحو بؤرة ارتكاز تحتاج لتصفيقها بالمحافل، تحت عقد الحماية لعدم التكافل، بل هناك حروب تدميرية بين قوى الهيمنة وتدار بالوكالة أحياناً بسبب الأنانية وحصر الفائدة بإستغلال ثروات الشعوب التي تناضل للبقاء.
استعراض لأحداث التاريخ الحديث التي كُتِب لجيلنا معاصرة تفاصيلها تظهر بوضوح إنعدام العدالة، فأسس التقييم تفصل لكل حدث بما يناسب صاحب النفوذ والتي تفتقر لأدنى متطلبات المساواة؛ لكنها إرادة القوي الذي يفرض بالقوة وجهة النظر التي يراها؛ سياسة أنهكت العالم الذي يعيش عصر عدم الاستقرار، ويرزح تحت التهديد المتجدد بالفناء، علما أن حكماء التاريخ يذكرون أن الشعوب لا تتنازل عن الحقوق مهما طال الزمن، فصراع الحلفاء اليوم هو انعكاس لحروب سياسية تنافسية للسيطرة على منابع الثروات في العالم وكسر شوكة من يفكر بالتنفس خارج حد?د الصندوق بهدف إدارة دفة الاقتصاد العالمي بما يخدم مصالح كل منهم، وربما ما نشاهده اليوم من حروب اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية، يؤكد وجهة النظر التي تحذر من المستقبل الغامض للبشرية، يعززها التهديد المتصاعد باستخدام الترسانة النووية الكفيلة بإعادة البشرية للعصر الحجري، وسيكتب العمر بصفحات جديدة لمن يُكتبْ له قارب النجاة لتدوين أحداثها.
محاولة تصنيف الخلافات بين الكبار على أنها صراعات لتذليل عقبات البشرية بعد هذا التقدم الهائل في التكنولوجيا والدخول في حروب الذكاء الاصطناعي التي ستقلب الموازين المعتمدة للتقييم، تعطينا مساحة للتفكير، وربما تفرض علينا مراجعة أدبيات التعامل، لإنعدام أسس التصنيف، فبين شعوب تناضل لحياة كريمة مستورة ذات رؤية القناعة، وشعوب تعيش حياة الفسق بعري أخلاقي ممثلة بقادتها، نجد منعطفات وتضاريس تحتاج لتنسيق معماري يغذيه أصحاب الفكر؛ سياسة عمياء جعلت من دول الأفلاك الهشة تتنقل بمساراتها حسب فهمها لمصالحها وهي تدرك أنها ست?ون محاصرة ومحطة للعقوبات؛ تلك العقوبات التي لا تستند لأسس التطبيق بشكلها العمومي، فهي تستخدم وتفرض بدعم القوة العسكرية والإقتصادية التي تساندها، لنجد أن الخطأ القاتل بميزان العدالة المفصل، هو عمل شرعي مبرر للغير يمارس للحماية والدفاع، فتبدل المصالح والإطاعة العمياء هما الأساس الذي يحكم المسيرة ويرسم ملامح حدود المستقبل، لتقابل محاولات البعض بالتمرد بهدف الانضمام لنادي الأقوياء الكبار مُدَعَّما بقوة اقتصادية وبشرية وعسكرية، بأن ذلك طفرة تفكيرية يجب طحنها على مقصلة شريعة الغاب.
ارتداء ثوب الأنانية وحب الذات، أوهمت البعض بامتلاكم قدرة سحرية بقدرتهم على تغيير جينات الشعوب بالانتماء والاخلاص، فرصفت طريق بعض القادة بعد تجنيدهم وأنجبت من رحمها الحركات الارهابية وهي تملك قدرة رهيبة على تغيير مبادئها وأهدافها بما يخدم مصالحها؛ تتذرع علانية بالحرص، وتضمر في الباطن بالحقد، لأنها تؤمن بالصراع الطبقي وعدم المساواة، وقد استطاعت عبر مسيرتها تدجين البعض ليصبحو مُسَيَّراتٍ، ذاتية الدفع والسلوك، تحرك بريموت الخدمة عن بُعد، دون أي اعتبار للشعوب المطحونة التي تتغنى بعشقها للحرية المقزمة، قادة وسيا?يون لم يستوعبو الاشارات الربانية الأخيرة بوباء الكورونا الذي حجم البشرية وهزم علمها وتقدمها، وملحق سلسلة الزلازل المدمرة، ولكنه شعار الواقع اليوم حيث القوة ترسم الحدود والمنتصر يكتب التاريخ، فنحن بحاجة لثورة فكرية ومراجعة شاملة وتحليل دقيق لرسم معالم المستقبل الذي يعطي مؤشرات غير مطمئنة، فمن ينام ليله ويصحو في الصباح، عليه بتقبيل الأرض لفوزه بيوم حياة جديد وهكذا دواليك؛ نعيش يومنا وشكوك بالغد وللحديث بقية.