كتاب

مدرسة الصيام

إنَّ الغاية والحكمة من العبادات والشعائر التي فرضها الإسلام هي سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، فلكل عبادة مجموعة من الممارسات والأعمال التي تؤسس لتربية النفس البشرية وتشكيل منظومة القيم التي تؤطر الشخصية المسلمة، والصيام امتناع عن الطعام والشراب واللذائذ طيلة النهار في شهر رمضان، وهذه الأعمال هي ممارسات جسدية غير أنها تهيئ النفس البشرية لارتقاء القيم والأخلاق الحميدة في دواخلها، فصيام الجسد تدريب متواصل على ضبط حواسه وشهواته. يقول ابن القيم ' في الصيام تضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشر?ب، وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها، ومعادها، ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماحه، وتُلجم بلجامه، فهو لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار المقربين'.

للصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح وضبط الشهوات عن انحرافها، وصيانتها عن المعصية ومخالفة أوامر الله، كما ترقُّ بفعله قلوب المؤمنين، وتسمو أرواحهم فيزداد تعلقهم بخالقهم، فيعكفون على كل عبادة تقربهم منه، ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى رمضان موسماً تتضاعف فيه أجور بقية العبادات خلافاً لغيره من الأوقات، كقراءة القران، والصدقة، وصلة الرحم، وغيرها الكثير من العبادات.

كما أنَّ تحكم الانسان المؤمن بجوارحه وشهواته بالصيام يحوِّل مسارات الطاقة نحو العمل والانجاز، وتسهيل بذل الجهد في مجالات الحياة المختلفة، لذلك كانت معظم المحطات الرئيسة والانجازات العظيمة للإسلام في هذا الشهر الفضيل.

إنّ الصيام مدرسة حقيقية تقدم لنا منهجاً نستطيع من خلاله أن نعيش حياة سعيدة نحدد نحن تفاصيلها، لا أن نكون فيها مجرد تبع لكل المستجدات والأدوات والتسارع الي يفرض علينا أن نكون أشبه بتروس صغيرة جداً في ترسانة الحياة المعاصرة، اليوم يتعمق سلوك الاستهلاك الطاغي على كل أفعالنا، حيث بتنا مأسورين لهذه الظاهرة، التي تزداد نتيجة التقارب البشري بفعل التكنولوجيا والاتصالات، لهذا يعيد الصيام لنا السيطرة، وقيادة زمام أمورنا، لا أن نكون ضحايا لهذه الحضارة التي تقتل فينا كل قيمة جميلة ولا تحافظ على أدنى سماتنا الانسانية.

Rsaaie.mohmed@gmail.com