رمضان في الكرك .. أجواء روحانية وإذكاء لقيم المودة والتكافل
12:00 19-3-2023
آخر تعديل :
الأحد
الحديث عن رمضان الامس واليوم في الكرك يرتبط بدلالات ومعان روحانية وقيم التألف والتراحم واجواء اجتماعية تزداد القا في الشهر الفضيل، رغم ان الحداثة التي اتت بخير وفير اجهزت على العديد من الطقوس الرمضانية التي سادت لعقود لتحل مكانها انماط جديدة تبعد في الكثير من جوانبها عن موروثنا وعاداتنا وتقاليدنا التي تعمر القلوب بالمحبة وصور التكافل.
وان كان من الصعب مقارنة ما كان عليه رمضان في العقود الخوالي وما هو عليه الان والاستعدادات التي تسبق التحضير لاستقبال الشهر المبارك والتي ترتبط بذاكرة المعمرين بمفردات الحياه الشعبية من ماكل ومشرب واجواء اسرية ممتعة، الا ان لرمضان في الكرك طقوساً ومظاهر مجتمعية متنوعة، ففيه يتغير نمط المعيشة اليومية حيث موائد الافطار التي تفرض لمة اسرية حين يتحلق افراد الاسرة بكاملهم حول مائدة الإفطار كحالة قد لا تتحقق في بقية اشهر العام، امر من شأنه اذكاء قيم المودة والتحاب بين ابناء الاسرة الواحدة.
وتتعمق في الشهر الفضيل ايضا اواصر صلة الرحم اذ يحرص اولياء الامور وبصرف النظر عن امكاناتهم المالية على اقامة ولائم الافطار لفروعهم واصولهم من النساء والرجال والاطفال، وهذه قيمة لاتؤخذ بجانبها الاجتماعي والانساني بل بما تعنيه من ترجمة صادقة لما تنص عليه الشريعة الاسلامية مصداقا لقول صلى الله عليه وسلم في حديث رواه عبدالله بن سلام رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول «يا ايها الناس افشواء السلام وصلوا الارحام واطعموا الطعام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام».
ولموائد الافطار الجماعية في شهر الصوم الكريم جانب اجتماعي اخر، ففيه يكثر الموسرون من اقامة الولائم الرمضانية التي يدعون اليها اصدقاءهم ومعارفهم، كأمر من شأنه تأصيل وشائج العلاقة بين افراد المجتمع وتمتين الروابط الانسانية التي تجمعهم علاوة على الموائد التي تتسابق فعاليات رسمية وشعبية لاقامتها للفقراء والايتام ولنزلاء مراكز الرعاية إضافة لتوزيع طرود الخير وما يقدمه بعض المحسنين من صدقات،في صورة تجلى فيها اسمى معاني التكافل المجتمعي والشعور مع الاخرين ممن ضاقت بهم الحياة.
وللشهر الفضيل في الكرك ايضا أجواء ايمانية مميزة تبرز في اداء صلاة التراويح التي هي اميز طقوس الشهر المبارك جماعة، حيث تعج اركان المساجد بالمصلين في اجواء تؤنس النفوس وتنصهر فيها الروح والجسد خشوعا لله وايمانا وتصديقا بكتابة وسنة نبية الكريم، ولا يقتصر الذهاب للمساجد لاداء صلاة التراويح على الذكور الراشدين من افراد الاسرة اذ يحرص اولياء الامور على اصطحاب اطفالهم للمساجد كامر يعزز في نفوس الاطفال قيما عقيدية تثري نشأتهم الايمانية، بل حتى النساء التي تفرد لهن المساجد حيزا خاصا فيها في الشهر المبارك يحرصن ومن مختلف الاعمار على الوفاء بهذا الواجب الديني الذي هو من اساسيات شهر رمضان الفضيل.
ولا تزال الاسر الكركية تحرص على ان تحوي موائد افطارها الكثير من الاكلات الشعبية التي هي من عطاء الارض كالقمح والعدس والجريشة واللبن الجميد والسمن والخبز البلديين، والتي تعد منها اصنافا منوعة من الطعام ابرزها (المنسف) الاكلة الاكثر شعبية والرشوف و«الفتة» بمسمياتها الاخرى كالفطيرة اوالمجللة اوالغلاسي إضافة لاكلات المدقوقه وفتة العدس والمشوطة وغيرها الكثير، هذا بالاضافة لاصناف لحلويات الشعبية التي كانت سائدة في المواسم الرمضانية القديمة ومنها «اللزاقية» و«الهيطلية» و«البكيلة».
ومن المشاهد التي بتنا نألفها ابتهاجا بقدوم رمضان تزين الشوارع والاحياء والمحال التجارية ومداخل المنازل بحلة بهية من اشكال الزينة والفوانيس والاهلة المضيئة حيث تعمد البلدية والتجار الى تعليق القلائد الكهربائية الملونة والاحبال المضيئة واللوحات التي تحمل العبارات الايمانية في الشوارع وكذلك التجار عند مداخل متاجرهم للفت الانظار الى محالهم ولحفز المتسوقين للتردد عليها والابتياع منها.
وبتغير الزمان وتبدل الاحوال تلاشت الكثير من لزوميات هذا الشهر الايمانية، ولعل من ابرز الطقوس الرمضانية التي غابت «المسحراتي» المعروف شعبيا في منطقة الكرك باسم «الطبال»، وهو الشخص الذي يحمل طبلا يطوف فيه عند اقتراب موعد السحور الاحياء والازقة يردد ادعية دينية ومدائح نبوية تسترعي المشاعر وتلامس شغاف شغاف القلوب «يا نايم وحد الدايم، قوموا لطاعة الله، يرحمنا ويرحمكم الله».
ويرى مواطنون إن الحداثة وتعدد اليات التذكير بموعد السحور من خلال منبهات الهواتف الخلوية وسواها وساعات السهر الممتدة حتى الى ما بعد تناول وجبة السحور عوامل اخرى اسهمت في تراجع الاهتمام المجتمعي بالمسحراتي مع الاختلاف الكبير بين مسحراتي الامس ومسحراتي اليوم وان كانت بلدية الكرك تحرص في كل موسم رمضاني على احياء هذا الطقس لرمضاني بتوظيف مسحراتيه في مناطق المدينة المختلفة طيلة الشهر المبارك في محاولة منها للابقاء على شيء من تقاليد هذا الشهر الفضيل.
واتت الحداثة ايضا بحسب مواطنين على مدفع رمضان في الكرك الذي كان المعلن الوحيد لحلول موعد الافطار وكذلك موعد رفع الايدي عن الطعام امساكا عنه وذلك قبل ان يعرف الناس مكبرات الصوت التي تصدح بالاذان من ماذن المساجد لتسمع من مسافات شاسعة، او تكون هناك اذاعات وفضائيات او هواتف محمولة يحدد عليها الصائمون افطارهم وامساكهم.
ويتذكر معمرون مدفع رمضان في الكرك والذي كان عبارة عن انبوبة معدنية بقطر معين كانت منصوبة في منتصف السور الشمالي لقلعة الكرك المطل على المدينة مباشرة وكان العم يوسف ابرز شخوص مشهد مدفع رمضان حيث كان يطلق مدفعة بعد ان يملأه بملح البارود وكما من قطع القماش القديم ويشعل فيهما النار ليشكل دوي صوته ميقات اهل مدينة الكرك ولكل القرى المحيطة بالمدينة وحتى البعيدة عنها نسبيا لبدء الافطار.