معظم الأباء والأمهارت وكذلك المعلمين وواضعوا السياسات في مجتمعنا ما زالوا يراقبون التحولات العميقة في حياة الأطفال والشباب ويتحدثون عن المخاطر الجديدة التي باتت تهدد حياتهم جراء التكنولوجيا الجديدة وما تحدثه من تغيرات خطيرة تضرب في العمق أدوار الأسر والمدارس والجامعات، ولم يبادر أي من هؤلاء في التفكير بوضع برامج وسياسات جديدة إزاء هذه المخاطر، أو العمل على إحداث تغيير في طبيعة الأدوار المعتادة، لعلنا نستطيع استعادة السيطرة على تربية أبنائنا، وتوجيههم في الوجهة الصحيحة ضمن حدود ثقافتنا ومنظوتنا القيمية.
هذه المخاطر الناجمة عن التكنولوجيا الحديثة وأدواتها استدعت ظهور مبادئ ومفاهيم جديدة، وسياسات بادرت بها مؤسسات التعليم بشراكة مع العديد من المنظمات والمؤسسات ذات الصلة بالمستجدات الاجتماعية، وكان مفهوم المواطنة الرقمية من هذه المفاهيم الجديدة التي تعنى بإدارة الفعل التكنولوجي في المجتمع، وضبط تداعياته، من خلال تربية رقمية تبني لدى الجيل سلوكات وأخلاق مرغوبة وإرتباط وثيق بوطنهم وحرصهم على تقدمه، ويتجنبون في ذات الوقت الممارسات والأخلاق التي تشوه أدوارهم في إزدهار وتقدم أوطانهم، وقد اعتبرت اليونسكو المواطنة الرقمية أن يتمتع المواطن بمجموعة من المهارات تمكنه من الوصول إلى المعلومات والوسائط واسترجاعها وفهمها وتقييمها واستخدامها وإنشائها ومشاركتها بجميع الأشكال، وباستخدام أدوات مختلفة بشكل نقدي وأخلاقي وفعال للمشاركة والإنخراط في الأنشطة الشخصية والمهنية الأجتماعية، وقد اعتبرها العالم (ريبيل) أشهر التربويين الذين أهتموا بهذا المفهوم فهم الطلبة للقضايا الإنسانية والثقافية والاجتماعية المتعلقة بالتكنولجيا وممارسة السلوك الأخلاقي.
مسؤولية جميع أفراد المجتمع وفي مقدمتهم التربويون ومصمموا المناهج تعميق مفهوم المواطنة الرقمية لدى النشء والمراهقين في المجتمع، ويتأتى ذلك من خلال استراتيجيات تدريس غير تقليدية وأنشطة تعلم تنمي مهارات التقييم الذاتي والتفكير النقدي، وتدريب المعلمين على تنمية التربية الأخلاقية والمواطنة الإيجابية لدى الطلبة، إلى جانب تطوير مناهج دراسية ذات أطر تحقق عناصر المواطنة الرقمية، وهي (الوصول، التواصل، محو الأمية الرقمية، الآداب الرقمية، القانون الرقمي، المسؤوليات الرقمية، الصحة الرقمية، والأمن الرقمي) وقد اهتمت عدة دول مبكراً بدمج مفهوم المواطنة الرقمية في مناهج وأنشطة التعليم في المراحل المدرسية والجامعية وفي مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا وكندا، لما تستشعره هذه الدول من مخاطر بات أثرها واضحاً في سلوك الشباب والمراهقين ومشاعرهم ونشاطاتهم ودرجة إرتباطهم بأسرهم ومجتمعاتهم.
وفي خطوة قد تسبق ما تم ذكره لا بد من العمل على بناء الوعي بمفهوم المواطنة الرقمية لدى المعلمين والمدرسين في الجامعات وتأهيلهم بالتدريب الكافي وبناء مهاراتهم، وهذا يتطلب شروط مسبقة ومعايير واضحة لمن ينخرطون في مهنة التعليم، وكذلك التحول في برامج التدريب وإحداث تغيير منسجم مع عناصر المواطنة الرقمية، وفي ذات السياق يقع على كاهل الإعلام والمنظمات التي توجه برامجها للأسر والأطفال رفع درجة المعرفة والوعي بكيفية المساهمة في بناء متطلبات وخصائص المواطنة الرقمية لدى الأفراد في المجتمع.
ما زلنا نمتلك الفرصة لاستعادة زمام السيطرة على تربية أبنائنا وشبابنا، وإنقاذهم من شراك المخاطر التي تتربص بهم جراء استخدامهم المستمر والمتواصل للتكنولوجيا وأدواتها، من خلال مراجعة شاملة لأدوارنا سواء كنا أوليا أمور أو معلمين أو قادة لمؤسسات التعليم في وطننا العزيز.
Rsaaie.mohmed@gmail.com