كتاب

حاجتنا إلى التحديث

«إن التحديث والتطوير من سمات الدول والشعوب الحية» بهذه العبارة التي ضّمنها جلالة الملك عبدالله الثاني رسالة تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، اختصر جلالته حقيقة كونية, وناموساً من النواميس التي تحكم الحياة البشرية، وتجعلها مختلفه عن سائر الحيوات الأخرى, بأن لها عقل يضع أنظمة تطورها وتحكمها, لذلك اتسمت حياة الإنسان بالتطور الذي عنى ويعني تحديث حياته ومجتمعه, فالتحديث سمة إنسانية تقود إلى التقدم نحو مرحلة جديدة من مراحل حياة الإنسان، فبفضل رغبته وإرادته وعقله وقدرته على التكيف والتطور انتقل من م?حلة العصر الحجري إلى عصر المدنية الحاضرة مروراً بالبداوة وحياة الريف, وفي كل مرحلة من هذه المراحل كانت نظمه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإدارية والسياسية وكذلك البنى التحتية تتطور بما يلائم حالة الحداثة التي وصل إليها.

لم يقتصر تحديث حياة الإنسان على جانبها الدنيوي, بل إن خطاب السماء تطور مع تطور الحياة البشرية، لذلك كان كل نبي ورسول يخاطب الناس بمستوى عقولهم وحالتهم الحضارية, وصولاً إلى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد الذي بُعث في عصر وصول الناس إلى المدنية وإلى الأمبراطوريات، كما هو في روما وفارس وغيرهما, لذلك جاء الخطاب السماوي متحدثاً عن النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية...الخ, وأكثر من ذلك فإن خاتم الأنبياء والمرسلين الذي لا ينطق عن الهوى, أكد بأن التحديث سمة الحياة البشرية، وأن كل طور من أطوار تحديثها سيحتاج إلى ?حديث المنظومة السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تناسبها، مع الحفاظ على الثوابت حفاظاً على الاستقرار والاستمرارية, لذلك قال عليه السلام «يبعث الله على رأس كل مئة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها».

وترسيخاً لهذه الحقيقة أعني حقيقة أن التحديث سمة من سمات الحياة البشرية التي أقرها الدين, كان الاجتهاد باباً من أبواب التشريع في الإسلام، والاجتهاد هو تحديث الأحكام بما يلائم حاجات الناس وفق معطيات العصر السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون الخروج عن الثوابت حفاظاً للاستقرار والاستمرارية.

ومثل الدين كذلك اللغة فإن التاريخ البشري يشهد بأن اللغات التي واكبت التحديث عاشت ونمت كما هو حال اللغة العربية, بينما ماتت اللغات التي تكلست ولم تواكب العصر.

خلاصة القول في هذه القضية: هي أن التحديث هو المدخل لتطور الدولة والمجتمع وبقائهما، لأنه علامة حيوتيهما وقدرتهما على التكيف، وبدون التحديث تتكلس الدولة والمجتمع ويصبح التخلف عنوانهما والإندثار مصيرهما، ولأن عبدالله الثاني هو المؤتمن على أرث الدولة الأردنية، فقد أختار التحديث منهجاً لحفظ هذا الأرث وحفظ استقراره وضمان استمراره، من خلال مواصلة التحديث الذي يمنحنا القدرة على تصحيح مفاهيمنا وتجديد أدواتنا عندما تعجز عن تحقيق أهدافنا، أو قدراتنا على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وقبل ذلك تحديث مفاهيمنا وتشر?عاتنا لمواكبة العصر.

Bilal.tall@yahoo.com