هل قابلت في حياتك أشخاصًا متفوّقين أكاديميًا لكنّهم غير مؤهلين اجتماعيًا وغير ناجحين في علاقاتهم أو وظائفهم؟
نلاحظ في كثير من الميادين بأنه ليس الأذكى والأكثر تحصيلاً هو بالضرورة الأكثر نجاحًا أو رضًى، إذ تؤكد الدراسات الحديثة على أن الذكاء العقلي أو الـ IQ هو عامل مهم في التقدم العلمي ولكنه ليس بالعامل الوحيد لتحقيق النجاح في الحياة العملية والإجتماعية، فهو يُسهم إلى حد كبير على الالتحاق بالجامعة ودراسة تخصص صعب، لكنّه ليس المسؤول الوحيد عن النجاح في الوظيفة أو في علاقاتك مع زملائك والمسؤولين في العمل، ولن يساعدك على السيطرة على توتّرك وخوفك خلال الامتحانات أو المقابلات الوظيفية. في الواقع أظهرت دراسة في جامعة ه?رفرد أن نجاح الأفراد في مواقع مختلفة من الأعمال يعود إلى 25% للذكاء IQ و 85% للذكاء العاطفي EQ، وتؤكد على أن الذكاء العاطفي Emotional Intelligence هو الذي سيتكفّل بذلك، ونتيجة كهذه تدفعنا للبحث أكثر في المهارات المهمة للذكاء العاطفي لإكسابها لأنفسنا ولأبناءنا الطلبة من أجل صقل أنفسهم للحياة العملية ومجارات سوق العمل.
وقد أشار العالم والطبيب النفسي الأمريكي الشهيرDanial Golman في كتابه الأكثرانتشاراً Emotional Intelligence في أمريكا والدول الأُوروبية، بأن في الدماغ الإنساني هناك عقلان مسؤولان عن أفعالنا إحداهما مسؤول عن التفكير أي يفهم ما ندرك (العقل الواعي)، والآخر للشعور وهو (العقل العاطفي) يوجد في جزء داخل الدماغ يُسمى الأميجدالا. وقد ذكر أن الذكاء الأكاديمي لا يعني النجاح في الحياة بشكل عام، فمن الممكن أن يفشل أذكى الأشخاص بسبب عدم السيطرة على أعصابهم، فإن معدل الذكاء يسهم بنسبة 20% من عوامل النجاح، بينما إن الأشخاص?ذوي الذكاء العاطفي العالي لديهم قدرة على السيطرة على ردود أفعالهم وحصلوا على مراكز مرموقة، فالتعامل مع المواقف بذكاء عاطفي يُميز شخصًا عن آخر. وأن التعامل في العلاقات الاجتماعية والقدرة على الاستجابة للحالة النفسية تجعل الإنسان قادراً على التأثير في المحيط من حوله.
ويُعرف جولمان الذكاء العاطفي علي أنه القدرة على التعرف على شعورنا الشخصي وشعور الآخرين، من خلال وضع أنفسنا مكان الشخص الآخر وذلك لتحفيز أنفسنا للشعور بما يشعرون، ولإدارة عاطفتنا بشكـل سلـيم في علاقتنا مع الآخرين. إن مفهوم الذكاء لم يعد يقتصر علي المفاهيم القديمة مثل حصره في نطاق الذكاء المنطقي فقط، بل تخطى ذلك إلي التعامل مع الذات و التعامل مع الوسط الإجتماعي مما يؤثر مباشرة في حياة الشخص و محيطه. ومن المهم ذكر أن وعي الإنسان بعواطفه ومشاعره هو سر نجاح الذكاء العاطفي والسيطرة على مشاعره والقيام برد الفعل ا?مناسب، بالإضافة إلى أن التفكير بالمشاعر يؤدي إلى معرفة الحالة النفسية والمزاجية والقدرة على التأثير عليها، فالأطفال يملكون عاطفة سليمة ويمتلكون الأدوات لتهدئة أنفسهم ليكونوا أقل عرضة للانفعالات.
ووضح جولمان مكونات الذكاء العاطفي بأربعة مكونات:
معرفة وإدراك الذات Self- awareness
أي تمكن الشخص من التعرف على المشاعر وكيف تؤثر على أفكاره وسلوكه، ومعرفة نقاط القوة وضعف لديه، وهذه النقطة هي المفتاح الرئيسي للذكاء العاطفي.
إدارة الذات Self- management
القدرة على التأثير في المشاعر والسلوكيات الاندفاعية، وإدارة عواطفك بطرق صحية، واتخاذ المبادرة، ومتابعة المهام، والتكيف مع الظروف المتغيرة.
المعرفة والادراك الإجتماعي Social awareness
أن يتمكن الفرد من التعاطف Empathy الذي يساعده في فهم مشاعر واحتياجات ومخاوف الآخرين، والشعور بالراحة الاجتماعية، والتعرف على ديناميكيات القوة في مجموعة أو منظمة معينه.
إدارة العلاقات الإجتماعية Relationship management
التعرف على كيفية تطوير العلاقات الجيدة والحفاظ عليها، والتواصل الايجابي الفعال، وإلهام الآخرين والتأثير بهم، والعمل بروح الفريق، وإدارة النزاعات.
وهناك العديد من الطرق المُختلفة التي وضعها جولمان لتنمية وتطوير مهارات الذكاء العاطفي، منها:
تعاطف مع الآخرين: الأذكياء عاطفياً يتحلون بفهم مشاعر الآخرين ووضع أنفسهم مكان الآخر، لذا ابذل جهدك ودرّب نفسك لرؤية الأمور من منظور الطرف الآخر.
طور مهارات الإستماع الفعال.
انصت بتمعن لمشاعرك بذكاء ولا تجعلها تتحكم بردة فعلك مباشرةً.
درب نفسك أن تبقى هادئاً في المواقف الصعبة.
فكر في كلماتك قبل النُطق بها.
اتخذ قرارتك بعد أن تهدأ.
حافظ على التفكير الايجابي والسلوك الايجابي.
تقبل الانتقاد بروح رياضية ايجابية.
كُن حازماً في رسم الحدود مع الآخرين: التواصل الايجابي لا يتعارض مع الحزم في كسب الاحترام دون أن يظهر على أنه عدواني أو سلبي جدًا. احرص دومًا على إيصال آرائك واحتياجاتك للآخرين بحزم وبطريقة مباشرة ودودة مع الحفاظ على احترامك لهم.
يلعب كل من الذكاء العقلي (IQ) والذكاء العاطفي (EQ) بلا شك دوراً كبيراً في تحقيق النجاح في حياتك، وقد تكمن الفائدة الكبرى في تعلم تحسين المهارات المختلفة التي تؤثر على تحقيق الأهداف، فبالإضافة إلى تعزيز بعض القدرات المعرفية، مثل الذاكرة والتركيز الذهني، يمكنك أيضاً اكتساب مهارات اجتماعية وعاطفية جديدة تخدمك جيداً في العديد من المجالات المختلفة في حياتك. ويختلف الذكاء الاجتماعي عن الذكاء الأكاديمي فالأول يفيد في الحياة العملية ويتميز أصحاب الذكاء العاطفي الحاد بالتوازن والصراحة والمرح والالتزام بعلاقاتهم ولا?يستسلمون للقلق، فلعللنا وبمعنى آخر ندرك عمل كلّ من الذكاء العاطفيEQ والعقلي IQ معًا بشكل متوازن لتحقيق النجاح لك.
اخصائية علم نفس