كتاب

دروس المونديال.. مؤسسيةُ الأداء.. طريقٌ مرصوفٌ للنجاح «4»

وبعد، فقبل أن أختم ما اجتهدت به من دروس المونديال بعد متعة المشاهدة للمباريات الرياضية وفنون كرة القدم، تألق فيها بعض الفرق على مستوى الفرد والجماعة، لأجد ذاتي اليوم وقد وصلت للمحطة الأخيرة الذي لا يعني أنها الأخيرة، بل قد تكون البداية أو منتصف الطريق، ولكنني أرى فيها ملخصا مهما لحياتنا وواقعنا، الذي يفسر السبب الرئيسي لموقعنا المتواضع بجميع محتويات المعادلة الحياتية كسبب لتقزيم أمانينا؛ ربما مراجعة أمينة للتعامل مع الحقيقة ستنقلنا على سلم المجد بمنطاد الحقيقة، حتى ننتقل من مستوى المصفق والمتفرج والمستورد،?إلى دور البطولة والفعل والمصدّر، فهناك سؤال يطرح ذاته عن سبب الإخفاق بالألعاب الجماعية ككرة القدم مثلا، بينما نجد أبطالا من دول العالم الثالث تفوز وتحقق أرقاماً قياسية في البطولات الفردية؛ بمعنى أننا ننجح بالدرجة الكاملة على المستوى الفردي ونخفق بنفس الدرجة على المستوى الجماعي؟

سؤال يرقى لدرجة المنطق، حيث أن الأنانية هي العامل الأساسي وراء الإخفاق؛ الجلوس على كرسي المسؤولية بغير استحقاق، يجعل من الأنانية صاحبة الحضور بالتعامل، مع فرصة للتوريث، وإحاطة بسور عالٍ من المنافقين المتنفذين الذين يحصدون الخيرات والثمار بدون جهد أو استحقاق، يصورون لذلك المسؤول أنه هدية ربانية للإنقاذ، لذلك نجد الطريق معبدة لممارسة الأنانية بجميع أشكالها حتى بالألعاب الرياضية التي تحتاج لجهد جماعي ولا يمكن حصرها بمجهود فردي، بينما نجد النجاح نتيجة منطقية للجهد للدول والفرق التي تحترم ذاتها لوجود خطة مؤسسية?للعمل لا تعتمد على الفرد صاحب القرار، بل تمثل استمرارية للنهج والمنهاج، حتى في المؤسسات الخاصة المملوكة لأشخاص، فهناك سياسة واضحة وأدوار لكل فرد بالفريق، تُلخص الهدف للنتيجة، ليسجل النجاح باسم الجميع كما الإخفاق، دون الاسناد لشخص بعينه.

مقارنة في الأداء للفرق الرياضية بالمونديال، تؤهلنا للتحليل بوجود مجموعتين؛ الأولى تبحث عن الفوز بأداء جماعي سيمفوني ذات لحن يُطرب السمع والنظر، بالرغم من حضور بعض العمالقة الرياضيين أصحاب الحضور والهيبة للفرق الرياضية الأخرى وأسعارهم خارج مساحة التفكير، فوجودهم في أرضية الملعب له معنى ووقار، بينما نجد في المجموعة المقابلة فرقأ رياضية تجد قمة المجد بأخذ الصور التذكارية مع فرق المجموعة الأولى وعمالقة لاعبيها، وقمة طموحها التعادل معها أو الهزيمة بأقل نتيجة، حيث تبدأ لحظات التوتر منذ حفل القرعة للتوزيع الذي يس?ق البدء بفترة زمنية معقولة، ليبدأ الدور الإعلامي السلبي بأن الفريق الفلاني هو في المجموعة النارية التي يعتلي قمتها الفريق العريق صاحب الأمجاد والمرشح القوي للفوز؛ أيام وأسابيع من التوتر الذي يستنزف ويحبط، لنجد استنتاجات أولية بالفرق التي ستصعد للدور الثاني حتى المربع الذهبي والخالية تماما من فرق العالم الثالث التي كتب عليها الهزيمة أو الحرمان من الفوز؛ شكل متجدد من أشكال الاستعمار، ذات الأبعاد المتجددة التي لا ترحم التي تمنعنا من فرصة التفكير بالتقدم، واقع يجعل التفكير بالفوز ضرب من ضروب الجنون.

هناك لغز محير يسهل علينا تفسيره لو تعاملنا مع الحقيقة التي نكرهها؛ استعراض لأسماء اللاعبين على مستوى الأداء الفردي بفرق الأندية الرياضية العريقة والتي تلعب الآن في الدوريات الأوروبية، سنجد قائمة طويلة من المبدعين خصوصا من دول المغرب العربي وقائمة طويلة أخرى ذات الأصول الأفريقية من المبدعين معظمها ذات بشرة سمراء، وعدد ليس بقليل من دول القارة الآسيوية، وهي نفس الأسماء التي لعبت ممثلة لبلادها في المونديال وأخفقت بتحقيق نتائج على مستوى الأداء الجماعي، ولكنها مرعبة على المستوى الفردي، حيث وجدنا أنانية باللعب وم?اولة تسجيل الأهداف، قد يكون السبب محاولة للتسويق الفردي أمام سماسرة اللعبة الذي حضروا المونديال استعدادا لبورصة الانتقالات، فهؤلاء اللاعبون، يبدعون بالأداء مع الفرق الرياضية للأندية وعليهم التخلي عن الأنانية حتى لا يكونون عرضة للإقصاء أو الجلوس على مقاعد البدلاء تمهيدا للبيع بأي ثمن.

قد نجد عذرا مخففا لهؤلاء، بسبب الصعوبات والتحديات في بلدانهم الأصلية لممارسة مهاراتهم، فرحلوا الى البلاد التي فتحت أبوابها لاحترافهم فقدمت تسهيلات لترجمة إبداعاتهم على هيكلة الأداء الجماعي بمردود المحافظة على سمعتها وتاريخها بحصد الألقاب، لسبب بسيط، لأنها البلاد التي تمارس رياضاتها وسياساتها أيا كانت بمؤسسية لا تعتمد على سلطة الفرد؛ هناك خطط واضحة وقوانين على الجميع الإلتزام بها، بينما نجد المسؤولين في بلادنا لا يقبلون النقد أو المناقشة، لا يستقيلون بسبب الإخفاق، يتنقلون بمراكز عدم الإختصاص دون تسجيل إنجاز? أعذارهم جاهزة بقائمة من التبريرات، كلامهم يدغدغ الأحاسيس والعواطف، اداؤهم الفردي متواضع، يكثرون من الظهور الإعلامي لأنهم يوظفون جيشا جراراً من المصفقين، والنتيجة التنافس مع أقرانهم في قبو الحضارة، بينما هناك دول تتطور وتستفيد من تجارب الآخرين واخفاقاتها، لتحسين مستوى الأداء بصورته الجماعية كسياسة غير مرتبطة بالزمن أو الأشخاص، ضمن رؤية الإخلاص ونزع ثوب الأنانية أو محاولة تجسير المنجزات بغير حق، أو إطلاق الوعود المجانية كمسكن للمشاعر.

مونديال قطر اعطانا دروسا في الوطنية الخافقة في الوجدان، وحذرنا من الاستهانة بالخصم كسبب للإخفاق، ليوضح بأن الرهبة تعيق المسيرة، وينصح بمؤسسية الأداء الجماعي كطريق مرصوف للنجاح، وهناك الكثير، وللحديث بقية.