كتاب

عبدالحي

أقامت جمعية أبناء الجنوب يوم أمس, حفلا تكريميا للدكتور عبدالسلام المجالي.. تحدث فيه الوزير سمير الحباشنة الذي كان قريبا من الراحل, وتحدثت فيه الوزيرة السابقة خولة العرموطي والتي كانت هي الأخرى قريبة من الراحل الكبير.. وتحدث الرئيس اليمني السابق علي ناصر.

عبدالسلام كان الأكبر بين أولاد (عطالله).. الذين ظلوا على قيد الحياة, بعد وفاة عبدالوهاب المجالي وبعد رحيل الباشا عبدالهادي المؤلم... كان جسورا قويا وأنا شخصيا كنت أهابه ولا أحب الاختلاط به.. لأني في زمن حكومته الثانية اعتقلت مع مجموعة من الزملاء..

لا أريد أن أقحم القارئ بهم شخصي أو تفصيل عائلي, لكن بين كل هؤلاء الأشقاء الذين دونت الصحافة عنهم مئات المقالات, وبث التلفاز عنهم عشرات التقارير.. وتقلدوا أكبر المناصب, كان بينهم عبدالحي (أبو نادر).. الذي ظل عشائريا ولم يحترف السياسة مثل الأشقاء, ظل على سيجارته وشماغه المهدب.. وفيا للكرك وللناس فيها, ووفيا للياروت التي انجبته.. ووفيا للمناسف التي بسطها لكل زائر وكل محب.

الصحافة ظلمت عبدالحي ولم تنصفه بكلمة, واجزم أن هذا الرجل كان مفتاح باب العائلة كلها.. وكان يلم الأصحاب والأقارب, وكان إن استعصى على البعض أن يحلوا مشكلة... يلجأون لعبدالحي الذي يبسط الأشياء ويطوعها على كفه كما يجب..

عبدالحي هو اخر من تبقى من (عيال عطالله) هو وشقيق اخر... وما زلنا نزوره في داره التي بنيت على أطراف الشميساني, وما زال على علاته فتى الجنوب الذي يحب الحياة, ويعاند الدمع كلما ذكر اسم الباشا عبدالهادي, لكن الدمعة تخونه دوما.. وتسيل على الخد, وتفضح الحزن الساكن في قلبه... ولا أذيع سرا إن قلت لكم أن عمان كلها تعرف منزل عبدالحي.. فقد أقام فيه للكرم ألف مهرجان, وهو الرجل الذي كانت عيونه تحتضن الناس قبل قلبه..

الصحافة ظلمت عبدالحي.. لم تذكره مثل الباشا عبدالسلام أو مثل عبدالهادي أو مثل الراحل عبدالوهاب.. ظلمته كثيرا, وهو الذي كان يلمهم كلهم على صدره.. إن ضاقت بهم الدروب وهو الذي كان يدفع دمه إن استعصى الموقف على أي واحد منهم, وهو الذي كان يمهد لهم الدروب... ويطوعها برمش عينه إن اقتضى القدر ذلك.

صار وحيدا الان... يطوي مع الأيام حزنه, لم يعد عبدالهادي باشا يطأ عتبة داره, وعبدالسلام غادر الحياة.. وعبدالوهاب هو الاخر غادرها, حتى سعد المجالي صديقه الأقرب قرر أن يغادر الدنيا فجأة دون أن يخطر أحدا... ومع ذلك وحين يأتي (طاري عيال عطالله)... لابد للمدى واللحظة والألسن والقلوب أن تشهد لعبدالحي أنه كان (المجلي الأطيب والأصلب).. وأنه ريحانتهم جميعا.. وهو الذي تلقى بصدره الرماح عنهم جميعا وارتضى النزف لأجل أن لا يمس الهواء خد عبدالهادي باشا ويزرع ولو ذرة برد فيه.

قلت البارحة كنت في الحفل الذي أقيم تكريما لعبدالسلام المجالي... واجمل ما شاهدت بعد كلمات الوفاء, وجه عبدالحي المجالي.. والذي تجاوز التسعين من العمر, ومع ذلك ظل مصرا على الصبر والحياة..

ما زلت أؤمن أن أجمل السطور في الحياة, هي تلك التي تحمل الوفاء لمن يستحقون الوفاء...

أمد الله في عمر (أبو نادر).. فتى الكرك وشيخ الكرم كله.. والشيب الذي ما زال يلم الناس حين تفرقهم الأيام.

Abdelhadi18@yahoo.com