كتاب

«الدولة العبرية.. من ساسون.. إلى نتنياهو»

إنّ مراقبة حركة القوة واتجاهات اندفاعها في جغرافيا بلاد الشام وجوارها، وملاحظة حدود الممانعة الفعلية لها، يكشف أنّ ما يجري على الأرض هو اختبارات عملية للقوة، لاستكشاف ما هو ممكن الآن، وما يجب تأجيله إلى حين، أو ما يجب استبعاده تماماً. في هذا السياق، سأقدم هنا تكثيفا لمشروع إقامة دولتين، يهودية وعربية، في فلسطين التاريخية. وهو مشروع تم وضعه من قبل الوكالة اليهودية في فلسطين، في آذار عام 1948، أي قبل الحرب وقبل إقامة الدولة العبرية بشهرين.

وقد تم تقديمه للوكالة في اجتماع تمّ في مبناها في القدس، وقبل أربعة أيام من تفجيره. وقد حضر الاجتماع عدد من مسؤولي الوكالة البارزين، منهم «رؤوبين شيلواح»، رئيس الاستخبارات السياسية، و«ديفيد بن غوريون» رئيس اللجنة التنفيذية للوكالة، وإلياهو ساسون، رئيس الدائرة العربية، و«عزرا دنين» رئيس دائرة العلاقات العامة مع الدول المجاورة.

إلياهو ساسون، وهو من عائلة يهودية عراقية قديمة، هو من قام بإعداد المشروع. وكان من أشد المتحمسين لحل الصراع بين العرب واليهود في فلسطين آنذاك، حتى أثناء احتدام المعارك بين فصائل الجهاد المقدس وجيش القاوقجي من جهة وبين قوات الهاجاناه من جهة أخرى. غير أنّ هذا المشروع رُفض بشدة من قبل بن غوريون في حينه، واعتبر من الوثائق السرية للغاية، التي نشرتها صحيفة هآرتس، بعد أكثر من ثلاثين عاما على إعداده، أي في العام 1979.

المشروع يتكون من مخطط لإنشاء «جهاز للسلام» و«مخطط للسلام». حيث تقام لجهاز السلام مراكز اتصال، في باريس واسطنبول ونيودلهي، ولكلٍّ من هذه العواصم سبب ومغزى. وهي مراكز تتضمن أعمالها مهمات إعلامية وسياسية وأمنية. اما مخطط السلام، فهو يتكون من سبعة عشر بنداً، ويصعب هنا إيرادها بالتفصيل. وأبرز ما ورد في مخطّط السلام، ومنه ما هو لافت، ويتصل بما يحدث اليوم، فهو؛

* إقامة دولتين يهودية وعربية على أرض فلسطين التاريخية بموجب قرار الأمم المتحدة (قرار التقسيم 1947). ويكون الحكم فيهما جمهورياً ديمقراطياً. وتوقّعان بينهما اتفاقيات لمدة (15-20) سنة للتعاون اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً(!). وتلتزم الدولة اليهودية بدفع المبالغ السنوية، التي أقرتها الامم المتحدة للدولة العربية. وتنضم الدولتان بعد إقامتهما للأمم المتحدة. وتمتنع الدولتان عن الارتباط باتفاقات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية مع دولة ثالثة، سواء كانت غربية أم شرقية، إلا بالتشاور مع الدولة الأخرى.

* تعلن الدولتان أنهما لا تملكان تطلعات للتوسع أو للسيطرة. وأنهما تتطلعان للسلام في الشرق والغرب، وتحرصان على الحياد في حال نشوء نزاع دولي. وتقيمان لجنة مشتركة بينهما، للإشراف على تحقيق الاتفاقات الدائمة، وتحديد حدود الدولتين، وتقترح تعديلات قد تراها ضرورية لأسباب حيوية لكليهما.

أما اللافت في ذلك المشروع، فهو؛

* تعلن الدولتان منذ الآن رغبتهما في الانضمام للجامعة العربية كأعضاء(!) أو حلفاء(!) واحترام أحكامها وأهدافها وتطلعاتها نحو تقدم الشرق وازدهاره في جميع المجالات. وتلتزم الدولتان بمكافحة أية دعاية أجنبية، شرقية أو غربية، ضمن حدود الدولتين وفيما حولهما.

* تعلن الدولة اليهودية منذ الآن موافقتها لجعل صناعتها متلائمة والصناعة العربية في البلاد وفي الدول العربية المجاورة. ومنع أي تنافس بينهما سواء في أسواق الشرق أو الغرب. وتعلن استعدادها في تنمية الصناعة العربية في البلاد والدول المجاورة(!). كما تلتزم بعدم تأييد دولة عربية ما ضد شريكتها وبالعكس، وتقدم المساعدة للجامعة لحل أي نزاع ينشب بين أعضائها. وتلتزم كذلك بملاءمة نشاطها الإعلامي في الغرب مع إعلام الدول العربية من أجل تقدم الشرق وتدعيم استقلاله.

كما تلتزم الدولة اليهودية أيضا بإشراك مواطنيها العرب في جميع مؤسسات الحكم وأمور الدولة، ومنحهم حقوقاً كاملة دون تمييز. كما تلتزم مسبقا بعدم سن قوانين تتضمن إساءة لمشاعرهم أو تقاليدهم الدينية والثقافية والاجتماعية أو لأملاكهم من الأراضي. وفي حال أي احتجاج أو معارضة من جانبهم لأي قانون، فإن الدولة توافق على الالتزام بقرار الأمانة العامة للجامعة العربية(!).

صاحب المشروع، إلياهو ساسون، كان يرى أنّ «النزاع مع العرب لن تحسمه القوة». وبن غوريون، الذي رفض المشروع بشدّة، ومؤسس أوّل حكومة للدولة العبرية، كان يرى أنّ لا حلّ للصراع مع العرب إلّا «عبر فوهة الرشاش»، دون أيّ حلّ آخر.

ترى هل أضاف تشكيل حكومة دولة الثكنة العسكرية الجديد في فلسطين، برئاسة نتنياهو، شيئاً جديداً على ما كان يؤمن به بن غوريون؟!

FAFIEH@YAHOO.COM