كتاب

«الفِكرُ والفِعلُ.. والرَعدُ والبَرق»

هو «التوحّش» البشريّ من جديد، يعود مكشّراً عن أنيابه، لتهديد العالم، كما فعل من قبل، في مطلع القرن العشرين، وذلك في سياق حركة متسارعة للتاريخ. بدأت منذ قرنين من الزمن، كما ترى الباحثة «تيريز ديلبيش».

فمنذ ذلك التاريخ، دخلت الإنسانية «ملحمة مجنونة» من تاريخها، بعملية معقّدة، يجهل كثيرون «آليات مسارها». وهي تلك الملحمة، التي عبّر عنها الروائي الروسي الكبير «ليو تولستوي»، على نحوٍ باهر، في عمله الشهير «الحرب والسلام»، بقوله: إنّ «التاريخ يتقدم بواسطة فأسه الكبيرة». وخير شاهدٍ على ذلك، ما قادت إليه الحربان الكونيّتان، الأولى والثانية، وما أدّت إليه من تدمير في العلاقات الدولية، على نحوٍ لم يمنع قيام الحرب الباردة.

ففي مؤتمر باريس عام 1919، في نهاية الحرب العالمية الأولى، بذل المنتصرون جهوداً كبيرة، من أجل إعادة تعمير أوروبا. غير أنّ تلك الجهود كلّها لم تمنع نشوب حرب عالمية طاحنة ثانية، وبعد عشرين سنة فقط، من تاريخ انعقاد مؤتمر الصلح العتيد. أما بعد الحرب الثانية، فقد نشأت اتفاقيات «جنيف»، حول «قوانين الحروب»، وكذلك ««محاكمات نورمبرغ» لمحاكمة زعماء النازية، ومن دون أن يجدي ذلك نفعاً، في منع اندلاع أتون الحرب الباردة، التي امتدّت ساحاتها على طول جغرافية بلدان العالم الثالث، على نحوٍ خاص.

وفي واقع الأمر، لم تكن الحرب الباردة، في جوهرها، قائمة بين الشعوب، بقدر ما كانت محتدمة بين خبراء وجواسيس. بدليل، أنّه وبمجرّد الإعلان عن انهيار «جدار برلين» الشهير تدفّق المهاجرون إلى الجانب الآخر، واستيقظت مشاعر قوية عند الناس، خاصة في البلدان التي كانت تعاني من التجزئة، غير أنّها لم تمسّ «أعماق الضمير الإنساني». كما شهدت الإنسانية، خلال القرن العشرين، فظائع مرعبة، تؤكّد بأنّ «العالم بمجمله لا يزال يعاني من فقدان بوصلة التوجّه». ولا يزال القرن الحادي والعشرون، ومن خلال أحداث عقوده الأوّلى على الأقلّ، يتّس? بالقلق والتخوّف من المستقبل.

استناداً إلى تلك الرؤية، تحدّد الباحثة الفرنسية «تيريز ديلبيش»، في كتابها: «التوحش عودة البربرية في القرن 21»، عشر مسائل مفتوحة، تشكّل المخاطر الأساسية، التي تهدّد مستقبل البشرية، وهي؛

_ السيطرة على تطوّر التكنولوجيات، وخاصة في ميدان تكنولوجيات علم الوراثة والأجنّة.

_ الإرهاب غير التقليدي.

_ النتائج المترتّبة على احتمال تحلّل القارة الإفريقية.

_ زيادة عدد الدول النووية في الشرق الأوسط، مع تزايد مخاطر تدهور العلاقات بين البلدان العربية وإسرائيل، وبين تركيا وإيران.

_ مخاطر تدهور العلاقات الإسرائيلية_الفلسطينية.

_ انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي، وما يطرحه ذلك على أوروبا، بخصوص قضية هويتها وحدودها.

_ احتمال نهاية باكستان، ومسألة إمكانية تفسّخ تلك البلاد، المطروحة بالنسبة للعقدين المقبلين، وما يحمله هذا التهديد بالتحلّل من مخاطر، بأن يؤدي إلى نشوب نزاع كبير تكون الهند أحد أطرافه.

_ مخاطر الحروب السريعة الخاطفة، خاصة في منطقة الشرق الأقصى، بالأخصّ بين الصين وتايوان.

_ الشكوك في إمكانية تعايش القوى الكبرى، مع بروز قوى كبرى جديدة، وعلى رأسها الهند والصين.

_ هل سيكون القرن الحادي والعشرون هو قرن الخوف؟ وهل يشهد عودة البربرية؟

ولعلّ الحرب الروسية الغربية في أوكرانيا تشكّل حالة متقدّمة لعودة التوحّش العنيف في صراع المصالح في العلاقات الدولية.

وعلى الرغم من كلّ ذلك، وأنّ العالم يعرف، منذ قرون، قول الشاعر الألماني الشهير «هينريش هاينه»: بأنّ «الفكر يسبق الفعل كما يسبق البرق الرعد»، إلّا أنّ عالم الفلك الفيزيائي في جامعة كامبردج «مارتن ريس»، لا يزال يتساءل متوجّساً: «هل هذا هو قرننا الأخير؟».

fafieh@yahoo.com