كتاب

أفغانستان والديموقراطية والمرأة!

((كذلك رفضتُ دعم ما كان يسمى ((المجاهدون الأفغان)) من دون ان أتبين موقف الحكومة منهم، وقد غُضّ الطرف يومها عن نشاط جماعة الإخوان المسلمين في جمع التبرعات لهم بل وحشد الشباب للقتال في صفوفهم.

في الحقيقة لم يكن موقفي نابعًا فقط من نظري لتلك الجماعات الأفغانية على أنها تابعة بشكلٍ أو آخر للمخابرات الأميركية، وهو أمر تأكد بالوثائق بعد خروج الاتحاد السوفياتي من افغانستان، بل أيضا لأني كنت أعتقد ان الافغان شعب لا يحتاج مساعدة من محتل او تدخلاً من مجاهدين يعيدونه للقرون الوسطى، وبهذه المناسبة أسجل إعجابي بوفد الحكومة الافغانية لاجتماعات منظمة الصحة العالمية المكوّن من رجال ونساء، وكيف كان منظمًا ومتحمساً للعمل اكثر من الوفود العربية، حتى أن اعضاءه لم يكونوا في الاستراحات يبرحون أماكنهم كما كانت تفعل بعض الوفود، بل يتدارسون ما سيتخذونه من خطوات تالية بما يخدم بلدهم وصحة شعبهم)).

تلك كانت سطور من كتابي (بين الطب والسياسة) عن فترة كنت فيها وزيراً للصحة ورئيساً لمجلس الصحة العالمي وشاهداً على حالة دولة افغانستان عام ١٩٨٦ والاتحاد السوفياتي يدعمها ويساعدها على الانفتاح والتقدم لمغادرة القرون الوسطى! لأقارنها بما حدث لها ولمواطنيها تباعًا في العقود الاربعة التالية إثر حرب ((المجاهدين)) لتحريرها من ((المحتل)) السوفياتي والتي دبرتها وساندتها أجهزة الاستخبارات الأميركية بالتواطؤ مع دول خليجية لتمويل وتجنيد الجهاديين من مختلف الشعوب العربية والإسلامية بقيادة علنية من الاخوان المسلمين عُرف عنهم في الأردن اسماء بارزة قُتل بعضهم في ساحات القتال الموجه أساساً من قبل المخابرات الأميركية أو اغتيل في تناحر الفصائل على الغنائم، وفي النهاية ورث الحكم في افغانستان أمراء الحرب والمخدرات إلى أن استولت عليه في ظل فوضى عارمة حركة طالبان ورجعت بالبلاد إلى ظلام القرون الوسطى بتغييب الديمقراطية واضطهاد النساء ومنعهن من العمل والتعليم، وتفاقمت سطوة المجاهدين حتى أنشأ ابن لادن تنظيم القاعدة الارهابي، وباقي القصة معروف بأحداث 9/11 في غزوة نيويورك بالطائرات عام ٢٠٠١ وثأر أميركا العام التالي باجتياح افغانستان وإقامة حكم ديموقراطي صوري نصبت عليه عملاءها واستمر عشرين عاما انتهت فجأة قبل بضعة شهور باستيلاء طالبان على البلاد وفرار الاميركيين مذعورين كما فروا ذات يوم من فيتنام على مرأى من العالم ! وعاد حكم الطالبان الرجعي الموغل في التخلف لكنه حتى لا تُقطع عنه المعونات الغربية تحايل بالتعهد باحترام ما تحقق للمرأة من بعض حقوق ما لبث قبل أيام أن نكث بها وأصدر قرارات مناقضة تمامًا برفض السماح للنساء من دخول الجامعات إن للدراسة او للعمل، وبمنع التحاق الموظفات الأفغانيات بمنظمات المجتمع المدني الممولة من الغرب وكذا المستفيدات من مشاريعها، ما أثار حفيظة الاعلام الغربي وكأنه وحده جوهر المأساة!

وبعد.. فان هذا التاريخ الذي شهدناه بأم أعيننا غارقا في الخداع باسم الدمقرطة وتعليم البنات في بلد منكوب متخلف لم يكن في حقيقته إلا من أجل اهداف اخرى سياسية وعسكرية واقتصادية.. وبعد ذلك فليذهب مواطنوه إلى الجحيم!