من المتعارف عليه أن هناك معايير لتصنيف دول العالم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا كالمساحة وتعداد السكان والوضع الاقتصادي، الذي يعتبر من أهم تلك المعايير، الذي يصنف دول العالم الى دول عظمى،متقدمة، نامية، سائرة في طريق النمو. ولكن يبدو أن القطريين أثبتوا أن لكل قاعدة استثناء، فهذه الامارة الخليجية صغيرة المساحة والتعداد السكاني، استطاعت بفعل ذكاء قيادتها أن تكون استثناء لكل المعايير، فهي اشبه بالتلميذ النجيب الذي لا يقبل إلا أن يكون في المراتب الأولى، فجميعنا يذكر كيف أن هذه الدولة الصغيرة استطاعت رغم التحديات وتن?فس الأخرين، قبل اثني عشر عاما أن تنتزع حق تنظيم كأس العالم لكرة القدم من دول عظمى تمتلك قدرات هائلة على تنظيم كأس العالم مثل:الولايات المتحدة الأميركية، اليابان، كورياالجنوبية، أستراليا.
لقد راهن الكثير الحساد منذ ذلك التاريخ على عدم قدرة قطر الدولة الصغيرة على تنظيم مثل هذه المسابقة العالمية ولم يألو جهداً في توجيه الإتهامات وآثارة المشاكل لسحب حق التنظيم، فتارة يقولون أن هناك شبهة فساد، وتارة أخرى يفتحون ملفات حقوق الانسان (العاملين الاجانب)، وتارة أخرى يتحججون بالمناخ وتوقيت البطولة وهكذا دواليك، وما أن اقتربت ساعة الصفر حتى تفاجأ الجميع بإثارة ملف جديد من ملفات حقوق الإنسان المزعومة، ألا وهو (حقوق المثليين) وإصرارهم على القدوم إلى قطر وعدم التعرض إليهم إذا ما رغبوا بممارسة مثليتهم جهار? نهارا، بل وأن بعض المنتخبات تبنت هذه الحقوق والأهم أن بعض المسؤولين الأوروبيين أظهروا أيضا حقدهم العرقي في حق دولة عربية خليجية بتنظيم كأس العالم، ناهيك عن الحملات الإعلامية المشبوهة والمدفوعة لتشويه صورة قطر أمام العالم.
لقد ظن الجميع أن القطريين سوف يرضخون إلى هذه الضغوط والحملات التي شنت بلا هوادة، ولكن أمير قطر سمو الأمير تميم آل ثاني أذهل الجميع عندما أثبت أن قطر لم ولن تخضع للضغوطات والترهيب، قائلاً أن من يرغب بالحضور إلى قطر لمشاهداة البطولة عليه أن يحترم القيم والعادات والتقاليد العربية والإسلامية للبلاد، وأننا وعلى الرغم من الرقي والانفتاح الذي وصلنا إليه ما زلنا متثبتين بعروبتنا وعاداتنا وتقاليدنا الأصيلة وفعلا قامت قطر بعد انطلاق البطولة بإظهار القيم الإسلامية والعربية، من خلال فعاليات وبرامج ترويجية أظهرت جمال و?قي عاداتنا، بل أن الأمير تميم استثمر هذه المناسبة بعد حضور عدد من زعماء الدول بتحقيق مكاسب ومصالحات عربية عربية وكذلك عربية تركية (لقاء الرئيسين السيسي وأردوغان) لم تستطع قمم عربية كثيرة تحقيقها، وما قام به الأمير تميم حين واظب على حضور مباريات المنتخبات العربية ورفع أعلامها على أكتافه، يؤكد للجميع أن قطر أثبتت أنها «دوحة العرب» ومدرسة العروبة التي لا تحيد بوصلاتها.
ختاما، أقول أنني لم أكن من المحظوظين الذين تسنى لهم حضور كأس العالم وكم حزنت بأن قطر لم تتأهل إلى الدور الثاني، لكنني أعلم أنها كسبت كأس محبة واحترام العالم العربي والإسلامي وحتى الغربي، وأثبتت للجميع بأن الإنجاز والقدرة والوطنية لا تقاس بالمساحة والسكان والقوة العسكرية، بل بالأفعال، وبأنها دولة صاحبة رسالة تتخذ قراراتها بمحض إرادتها، وأثبتت أنها خير سفير للأمة العربية والإسلامية في مواجهة التغطرس والعنجهية الغربية.
أستاذ القانون الدولي