كتاب

ديمغرافيا المدرسة

التخطيط الاستراتيجي ضرورة وليس ترفا، للوصول إلى الأداء الفعال في العمل، ووفق نهـج التخطيـط الاستراتيجي لتحقيـق الأهداف القطاعيـة والوطنيـة؛ لمواجهـة تحديـات القـرن الحـادي والعشـرين، ومواكبـة المسـتجدات المختلفـة، وتحسـين جـودة التعليـم، كانت هذه الأسباب المعلنة لإعداد الخطة الاستراتيجية لوزارة التربية والتعليم التي جرى تحديثها وتمديد العمل بها لعام 2025.

وعلى ذلك ألزمت الوزارة نفسها أمام الجميع بتنفيـذ الخطـة ضمن مجالات مهمـة فـي هـذه المرحلـة بغية تحسـين نوعيـة التعليـم، والارتقاء بجـودة مخرجاتـه، وترسـيخ التنافسـية فـي هـذا القطـاع الحيوي.

أظهرت الخطة اهتماماً واضحاً بما يمكن تسميته ديموغرافيا المدرسة، ويقوم هذا المصطلح أساساً إذ أمكننا تفسيره: على عدد الطلبة الملتحقين بالمدارس ضمن الفئات العمرية المختلفة في مراحل التعليم كافة من رياض الأطفال حتى التعليم الثانوي، وحسب المراحل الدراسية وفروع التعليم المختلفة لكلا الجنسين.

هنا يظهر ازدياد أعداد الطلبة في مدارس وزارة التربية كما أظهرت المراجعات الإحصائية، وارتفاع عدد الطلبة الفعلي عما هو مخطط له خلال الفترة 2018-2021، كل ذلك سينعكس نوعاً ما على زيادة التكاليف المرتبطة بها، وهذا الأمر خلق تحديا أمام القطاع التعليمي وقت الجائحة إذ بدأ التحول إلى التعليم عن بعد، وتطبيق نوع من دوام التناوب، بغرض مواجهة التحديات المرتبطة بها.

وبينت هذه المراجعات اِخْتِلَالاً بين أنواع التعليم في المرحلة الثانوية ضمن مسارات التعليم الأكاديمي والمهني. فقد مثل عدد الطلبة الملتحقين بالتعليم الأكاديمي أربعة أضعاف الملتحقين بالتعليم المهني، وزيادة عدد الطلبة الفعلي عن المخطط له في مراحل التعليم الأساسي والذي يرجع إلى أسباب كثيرة منها على سبيل المثال: انتقال الطلبة من التعليم الخاص إلى التعليم الحكومي خلال أعوام 2020-2022 بسبب تبعات الجائحة، وانخفاض عدد الطلبة الملتحقين برياض الأطفال مقارنة بالمتوقع، رغم توسع الوزارة في التعليم لمرحلة رياض الأطفال وال?ي تعد من المراحل المهمة في أسس بناء الحالة التعليمية وانعكاساتها على التعليم بشكل عام.

هذا الأمر دفع وزارة التربية إلى عمل مراجعة للخطة الاستراتيجية التي تنتهي هذا العام، وتنظيم العديد من الجلسات الحوارية لمراجعة الخطة وقياس التقدم فيها، والتي أثمرت نهاية المطاف عن تحديث الوزارة الخطة الاستراتيجية للتعليم 2018-2022، وتمديدها لثلاثة أعوام جديدة.

هذا الواقع الديموغرافي المدرسي يرجع إلى أسباب عدة، بينها: نزوح طلبة القطاع الخاص خلال الجائحة للتعليم الحكومي، والاعتماد الأكبر على التعليم الخاص في مرحلة رياض الأطفال والتعليم الابتدائي، وعزوف الطلبة وأولياء أمورهم عن التعليم المهني، وانخفاض نسب تسرب الطلبة كذلك.

لعل الحاجة اليوم أكثر ما يكون لإعادة ضبط ديمغرافيا المدرسة وموازنة توزع الطلبة بين فروع التعليم ومساراته، والتوسع أكثر في قبول طلبة رياض الأطفال والحد من نظام الفترتين والتناوب، ومحاولة ضبط توزيع الطلبة بين فروع التعليم ليخدم في النهاية الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، وبرنامج التحديث الاقتصادي، وهذا ما تسعى له وزارة التربية والتعليم ضمن خططها الإجرائية، لنستطيع أن نمضي إلى الأمام بخطى واضحة.