كتاب

حزبيون ومتحزبون

لقد أفرزت الإصلاحات السياسية والتشريعية حالة من الحراك السياسي الحزبي، نجم عنها نشوء أحزاب سياسية جديدة وأحزاب ما زالت قيد الانشاء، واللافت للإنتباه أن جميع تلك الأحزاب بشقيها تصنف نفسها بأنها أحزاب وسطية ما بين اليسار واليمين، و ربما أن هذا الميول الإيديولوجي اذا صح التعبير، هو انعكاس طبيعي لواقع النظام الدولي الجيوسياسي بعد انتهاء الحرب الباردة وانحصار الفكر الحزبي الإيديولوجي اليساري، و رغم اتساع المد الفكري اليميني بشقيها المنظم وغير المنظم) الحركات والتنظيمات الخارجة عن القانون (وبعيداً عن الجدل حول م?روعيتها، فكما أسلفنا سابقاً، فإن هناك قناعة لدى جميع المتحزبين الجدد أن نجاح الأحزاب بالوصول الى مبتغاها (الوصول للسلطة)، يفرض عليها البقاء في المنطقة الرمادية الأكثر أمانا ما بين خطي طول الأحمر اليساري والأحمر اليمني، فإذا ما قبلنا أن هذا التوجه يعتبر منطقياً ومقبولاً ويتماشى والمناخ السياسي السائد على الساحتين الداخلية والإقليمية الدولية، فلقد اثبتت الانتخابات السائدة اليوم في كثير من الدول أن الرأي العام الشعبي أقرب للفكر اليمني، بسبب التحديات الاقتصادية والسياسية والبعد العقائدي الديني، وفي كلتا الأحوا? فإن الشارع الأردني غير معني كثيرا بالانتساب او الانتماءات الحزبية، فهو يبحث عن حلول للمشاكل الاقتصادية على رأسها مشاكل الفقر والبطالة.

ما زالت النظرة السلبية وحالة اللامبالة والرفض بالانتساب للأحزاب السياسية هي السائدة بين افراد المجتمع الأردني، في حين إن الانتماء الفكري العقائدي عند البعض مرتبط عاطفياً بالماضي الحزبي القديم، رغم إزالة كافة العراقيل التشريعية والتنظيمية التي اكدت عليها الضمانات والرغبة الملكية، وفي كلتا الاحوال فإننا بحاجة إلى نهج جديد لاقناع الناس بقدرة الأحزاب على التغيير، وأن برامجها ليست حبرا على ورق، وأنها وليست أحزاب أشخاص وأطماعا بالسلطة، فما نراه على الساحة الحزبية من حراك وانشقاق ودخول وخروج نرجو أن يكون تزاحما إ?جابيا وليس صراعا على القيادة لا اكثر فنحن نريد حزبيين لا متحزبين.

إننا اذا ما أردنا أن ننشئ ديمقراطية صحيحة فلا بد لنا من الوصول الى مرحلة التأطير الشعبي بأحزاب سياسية تمثل الشعب تمثيلا حقيقياً، ومجلس نواب منتخب انتخاباً على أسس فكرية بعيدة الانتماءات الجغرافية والعرقية و العقائدية، ولا بد لنا من تفعيل وتنشيط دور مؤسسات المجتمع المدني (نقابات، جمعيات، اندية) والأهم العمل على تطوير القوانين الناظمة للحريات العامة لتتواكب ومتطلبات التغيير والاهم من جميع ذلك أن نقتنع جميعاً بأننا بحاجة الى بناء جسور الثقة بين المواطن والحكومات وبين المواطن والأحزاب وبينه وبين سلطته التشريعي? (مجلس النواب)، ولا يتحقق ذلك الا اذا كان هناك مساوة في الحقوق والواجبات التي تعبر عن كافة مكنونات(دولة القانون)، القائمة على (المواطنة الصالحة).

أما على الصعيد الاقتصادي (مفتاح الحلول)، فلا بد من وضع البرامج والخطط التي ننتقل بها من دولة الاستهلاك والاعتماد على الغير، الى دولة الإنتاج والإبداع وتحويل التحديات الى حلول وانجازات. وفي النهاية آقول وان كنت اعتبر أن الأحزاب السياسية هي اللبنة الأولى في نجاح الدولة الديمقراطية فإننا نحتاج أيضا الى بناء جسور الثقة، وان نؤمن بأنفسنا أما فيما يتعلق بالأحزاب الموجودة على الساحة، فنحن بحاجة فعليا الى حزبيين وليس متحزبين.

أستاذ القانون الدولي العام