كتاب

حليمة الكسواني

هي سيدة طاعنة في السن, ظهرت في مقطع صغير على (التك توك) تغني لفلسطين.. وأسرت قلوب الناس في العالم العربي.

حسنا نحن حين ننتج ظاهرة عفوية جميلة لا بد من أن نشيطنها, ولا بد من أن ننتج عناوين فرعية حول قيامها بعمل حساب, أو حول استغلال البعض لها.. وانشاء صفحة على «الفيس بوك', ونقفز عن روح وجوهر القصة نقفز عن وجه فلسطيني هز العالم, نقفز عن عجوز انتجت خطابا سياسيا في العالم العربي عجزت كل مؤسسات المجتمع المدني ودعاة الليبرالية, و'الأن جي أوز».. وكل مجتمعات السفارات... عن انتاجه.

حليمة هزمت اليسار الانتهازي كله, هي لم تقرأ كارل ماركس ولا الديالكتيك.. وهي لم تكن من كتاب صحف المهجر, وهي لم تترك الثورة كي تأتي إلى هنا وتبحث عن موقع... هي غنت من قلبها وكان النبض مع كل دفقة ينتج حنيناً وايماناً خالصاً بأن الأرض ستعود... حليمة لم تقم ببناء منزل في عبدون, وحليمة لم تحضر مؤتمرا في عاصمة أوروبية يتحدث عن تحريك المياه الراكدة... وحليمة لم تطلق مبادرات للسلام, هي فقط قدمت وجهها بعين يمنى ذابلة.. هي لم تكن ذابلة أبدا ولكن الذي يسدد في البندقية لا بد أن يحني الجفن قليلا.. وحليمة سددت على قلوبنا?كلنا, ادمتها.. وعرّت الوجوه المستعارة من غيرها..

اتركوا الفلسطيني وشأنه.. اتركوه يغني, يموت وحيدا, يغضب.. ليفعل ما يشاء, واتركوا حليمة وحدها.. فقد قدمت أنبل خطاب ثوري عجز عنه جيفارا وفيدل كاسترو, قدمت حليمة صرخة في نفق الصمت العربي.. وعينها اليمنى الذابلة صدقوني وأقسم على ذلك.. أن دمشق بتاريخها تكتحل إن اطلت عليها حليمة بذات العين, وبغداد يغسل النهر فيها كل دموع النخل إن مرت عين حليمة عليها في المساء, والجزائر ستصعد ببشرها وحجرها كي تتطهر بعين فلسطينية..

ليتعلم نجوم السوشيال ميديا من حليمة, كيف أن اللهجة الفلسطينية تهزم القلب.. ليتعلموا كيف أن عجوزاً ظهرت بوجهها الذي يشبه جغرافيا فلسطين, ومن دون مساحيق ولا فلاتر... جعلت كل محطات العالم تطارد سؤالها, وتبث دعوتها للفلسطينيين بأن (يشدوا بعضهم)..

حليمة كانت ابلغ من نزار قباني, وشعر الجواهري كله استعصى على فهم الحزن في صوتها.. حليمة تجاوزت السياب وكل قصائده, هو كتب لقريته (جيكور) في العراق, ولكن حليمة هزت العواصم كلها من أساسها.. هي أيضا تجاوزت أمل دنقل.. فعينها كانت الرصاص ووجهها كان الثورة.. حليمة تجاوزت ابو القاسم الشابي.. تجاوزت ناس الغيوان المغربية, حليمة أيضا سحقت كل قصائد سعيد عقل.. وهزمت كل إعلام إسرائيل...

حليمة ليست تقريرا تعده الجزيرة, ولا برنامجا تبثه البي بي سي.. وهي لم تكن نافذة من السي أن أن... حليمة هي الهوية الفلسطينية الجامحة والعصية على الذوبان...

شكرا ايتها العجوز الشابة اليافعة النبيلة... فقد قاتلت نيابة عنا جميعاً.

Abdelhadi18@yahoo.com