كتاب

نعتذر منهم ونخجل

لم أستطع الكتابة عن شهداء نابلس ومن قبل جنين والخليل والقدس وسائر من يدافعون عن حقهم المشروع ومقاومة الاحتلال والتصدي لجميع أشكال سرقة التاريخ والحضارة والثقافة.

ليست الشهادة مشروعا للكتابة وكسب الشعبية؛ هي حالة فريدة لتحية من يرتقون إلى منزلة مرتفعة من النضال الشخصي والجماعي، ضد من يعتقد أنه يمتلك حياة الشعوب وتقرير مصيرها.

التفاعل وردود الفعل تجاه مسيرة الشهادة، لها ما يبررها من تقدير واحترام وإجلال لطبيعة القضاء من أجل قضية عادلة ومشرفة، لكن الحد الفاصل بين الشهادة والكتابة عنها مسافة كبيرة، قد لا أملك القدرة عن صف الأحرف للتعبير عن مشاعر الشهادة ذاتها كمشروع وطني خالص لوجه الله.

ملاحظ اختلاط المشاعر عند التفاعل مع الشهادة، بعيداً عن ساحة المواجهة والتصدي والدفاع والمعركة الحقيقية والتي لن تتوقف إلا بنصر من الله وفتح عظيم ونهاية لقوى الشر والفتنة والخيانة والغدر.

نعتذر بشدة لمن يطلبون الكتابة عن الشهادة؛ فمن نحن حتى نقوى على سل سيف الكلمة واستغلال ما يحدث للحصول على الشعبية والأعداد من المتابعين والتعليقات والمشاركة والإعجاب؟.

نخجل من ركوب موجة الشهادة لفتح بيوت تقبل التهاني، دون الوقوف الحقيقي لذوي الشهداء نتيجة جميع محاولات التضيق عليهم من قبل سلطات الاحتلال وملاحقتهم وعقابهم على فعل من قضى في سبيل قضيته.

صدقا وعلى الرغم من قدرتي على الكتابة ولكن لم أستطع الاقتراب من الكلمات ودعوتها لمرافقتي في سطر واحد بحق الشهادة؛ خجلا واستيحاء من اختصارها إلى كلمات وعبارات تقف أمام قطرات الدم وطلقات الرصاص متواضعة من هول الموقف.

يستطيع كاتب المقال تطويع المناسبات لخدمته، وتناول العديد من المواضيع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن موضوع الشهادة، قد يقدر عليه كاتب مثلي للخوض في تفاصيل من ارتقى إلى السماء بطهر ونقاء واستجابة؛ الوطنية ليست في عبارات مزينة، ولكنها من وجهة نظري نظرة شمولية لمعنى الحياة التي نعيشها والتي ينبغي أن نحافظ فيها على استيحاء من التعرض لمواقف البطولة، إن لم نكن منها وسببا فعليا للدفاع عن القضية الفلسطينية بقوة وتمكن وقمع الفتنة والشر من النفوس، وتعزيز الانتماء السليم، والبوح الصادق مظهرا وجوهرا عما يجول في?الخاطر من تفاصيل مهمة في أشكال الدفاع والإقناع والمحاولة، وليس الاستسلام والكتابة عن موقف يحدث وسرعان ما يغيب مع سرعة الأحداث.

لا بد من الاعتذار الحقيقي من الشهداء عما نفعله عقب ارتقائهم من جانب وبين ما يستغله المحتل فور ذلك من استفادة وحشد وإعلام مساند وتحويل الأنظار إلى زوايا مختلفة ومضللة لمعنى الشهادة.

ونخجل (وهكذا ينبغي) من تناول الشهادة على أنها تغطية من قلب الحدث، حتى لا تكون كلمة عابرة وصورة توضع في الأرشيف، ونقف عن حد المناسبة والكتابة عنها بأحرف لا تفي الشهيد مثقال ذرة من عمله البطولي، واعتبرها اغتيالاً للكلمة قبل الموقف، ولصق العبارات في غير موقعها المناسب.

سوف تستمر مسيرة الشهادة والنضال والدفاع والصمود والكفاح بشتى الوسائل وبعيداً عن التنظير والرفاهية والاختباء وراء الكلمات والعبارات الرنانة والمشاعر العاطفية، والبحث عن الشهرة والشعبية.

قد يكون للكلمة دورها، ولكنها لن تقطر دما وبطولة، كما تعود الروح إلى بارئها راضية مطمئنة، وكما يكون استقبال الحياة عند ربهم «فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ» – سورة آل عمران (170)، تلك هي كلمة الصدق، لا غير.

fawazyan@hotmail.co.uk