منذ البداية أرجو ألا ينصرف نظر القارئ الكريم إلى العنوان بوصفه محليًا, أو المقصود به الأجواء المحلية, لكن بالضرورة ما يجري في العالم والمحيط الاقليمي, سيعكس نفسه بالضرورة على واقعنا المحلي, وهناك مراكز دراسات وازنة بدأت فعلا في قراءة ما يجري, في محاولة لاستنطاقه كي نستطيع على الأقل تلمّس خطوتنا القادمة, فآثار الحرب الروسية الاوكرانية, بدأت بعكس نفسها على القارة العجوز, على شكل حكومات يمينية, أي أنها محكومة لواقعها الوطني وليس لتحالفاتها الإقليمية, فالقارة العجوز تشهد مخاضًا جديدًا في العلاقة مع الحليف التقليدي, الولايات المتحدة, لا يقترب من الانفكاك من هذه العلاقة ولكنه أقرب إلى الانفلات منها, فوصول اليمين إلى سدة الحكم في ايطاليا, يعني أن اليمين استحكم في القارة, فالدولة التي عانت من اليمين الشوفيني تعود اليه, وقبلها فعلت المانيا وفرنسا, كدول رئيسة في القارة.
كذلك نشهد بداية انفلات خليجي, ربما لم يتبلور بعد بشكل واضح, بحكم أن ثمة ظلالًا للحلف التاريخي الذي نسجته منظومة خليجية مع الحزب الجمهوري قبل فشله في الحفاظ على رئاسة الولايات المتحدة, وبالتالي هل الخطوة الخليجية في الحفاظ على منظومة اوبك او الانحياز لها, رسالة انفلات, أم أنها رسالة انحياز لحلف مع حزب اميركي قبل الانتخابات النصفية؟ مهما كانت الاجابة فإن الانفلات بدأ, وسيتبلور حكما مع مرور الايام, وانتهاء الحرب الروسية الأوكرانية, التي تشبه نهاياتها, نهاية حقبة الاتحاد السوفييتي, فالعالم قبل سقوط جدار برلين بوصفه شعار انهيار الاتحاد السوفييتي- ليس كما بعده, فثمة قوى جديدة ستظهر على المسرح العالمي, تؤكد انتهاء زمن التفرد الاميركي, فما فعله ترامب في الولايات المتحدة لن تتعافى منه واشنطن قريبا, فثمة 49% من جمهور الناخبين يعتقدون ان اميركا بيضاء ومسيحية, وليست حامية للحريات والقيم الديمقراطية.
في جوارنا, واضح أن سورية لن تشهد عودة إلى سابق عهدها, بمعنى دولة مركزية على كل حدودها في المدى المنظور, وأفضل سيناريو للشقيقة الكبرى لدول بلاد الشام هو بقاء الوضع القائم, أما العراق الشقيق, فهو يستعيد عافيته ببطء شديد, لكن النفوذ الايراني أعاد استحكامه ولكن ليس بنفس القوة السابقة, ما يعني أن ضلعي الهلال الخصيب يشهدان حضورًا إيرانيًا لا يمكن تجاهله او القفز عنه, وفلسطين وسلطتها, تعيشان اليوم زمن الانكفاء, سواء بحجم التغير الهائل الذي يشهده المجتمع الفلسطيني, في اقانيمه الثلاثة «48, الضفة, غزة', الذي يأخذ شكلين مختلفين, فعلى مسار أهلنا في الـ48, ثمة احساس بالخذلان حد الاستفادة القصوى من الدخول في معركة الوجود السياسي في الحكومة العنصرية, وعلى المسار الآخر ثمة بشائر بولادة فصيل مقاوم يحضن الجميع, لكنه بحاجة الى وقت وظرف موضوعي داعم, وهو يحتاج ايضا الى وقت كي يتبلور, هذا في حال عدم نجاح السلطة الفلسطينية في التصدي له, لصالح مشاريع معاشية سلطوية وتغييرات في هرمها وحماس ليست بعيدة عن هذا.
الكيان العنصري يزداد يمينية وتوحشًا, وهذا قد يخدم فلسطين وأكنافها, إذا ما نجح الوليد الجديد الجامع لكل فصائل المقاومة في التبلور على أرضية نبذ الشوفينية الفصائلية لصالح الكل الفلسطيني, فالحكومة القادمة عنصرية ومتطرفة بامتياز بصرف النظر عن رئيسها, وستحاول بكل قوة الابقاء على السلطة بشكلها الحالي كأداة أمنية مقابل بعض اموال الضرائب وطائرتين عموديتين, قد تتحول مهامهما لاحقًا لغير تنقل كبار المسؤولين في السلطة.
أمام هذا الواقع ماذا يمكن لدولة بحجم الأردن أن تفعل, هل تبقى ساكنة بانتظار أجوبة الاقليم أم تبدأ بنسج سردية للقادم؟ فدور الدول محكوم بقدرتها على الاستعداد والاستجابة وليس التكيف مع القادم فقط, ولعل القادم محليًا سيكشف حجم الاستعداد للاستجابة أو التكيف.
omarkallab@yahoo.com