كتاب

على هامش التأثير والمؤثرين

في إطار انشغال البعض في معركة التأثير والمؤثر، ينسى هؤلاء حقيقة علمية تقول: إن وسائل التواصل الاجتماعي ليست أكثر من حلقة من حلقات التواصل البشري، سبقها التلفزيون الملون الذي كان في حينه ثورة في مجال الإبهار البصري لوسائل الإعلام التي هي وسائل اتصال بشري لنقل الأخبار والآراء والتعليقات ومحاولة التأثير على المتلقي وتوجيه الرأي العام والسيطرة عليه، وقبل التلفزيون الملون كان التلفزيون الأبيض والأسود، وقبلهما كانت الإذاعة، وقبلها كانت الطباعة التي صارت علامة فارقة ليس في مجال التأثير والتأثر فقط، بل في تاريخ الحياة البشرية بكل مكوناتها، وقبل ذلك كله كانت الكتابة والكتاب.

كل هذه كانت مجرد حلقات في التطور المادي لخدمة رغبة الإنسان بالتواصل مع محيطه والتأثير بهذا المحيط، وهو تأثير لا تحققه وسائل التواصل لكنها تخدمه، لأن التأثير ونوعه يتوقفان على المضامين التي تحملها هذه الوسائل ومدى قناعة المتلقي لها ثم رغبته في متابعة الوسائل التي تحملها له، وللتدليل على هذه الحقيقة فليسأل كل منا نفسه عن عدد محطات الإذاعة والتلفزيون والقنوات الفضائية في محيطه، وما هي نسبة من يحرص على متابعتها، ليكتشف أنها نسبة قليلة، رغم أنها جميعها تملك نفس أدوات التواصل الضرورية لعملها السمعي والبصري والورقي، مما يبرهن على أن الإنسان السوي يبحث عن المضمون الذي يشبع ضمئه للحقيقة بصرف النظر عن الوسيلة التي تحملها.

الحقيقة الأخرى التي يتناساها المنشغلون هذه الأيام بمعركة التأثير والتأثر هي أن الشهرة ليست مؤشرا على التأثير، فلا أحد من رواد الملاهي والمراقص يتمنى لزوجته أو ابنته أو أخته أو قريبته راقصة مهما كانت شهرة الراقصة التي يرتاد مكان رقصها لمشاهدتها، بينما يتمنى لها أن تكون صاحبة واحدة من المهن التي قد لا تحقق لها شهرة لكن تحقق لها احتراما لنفسها واحترام محيطها لها.

الأدلة أكثر من أن تحصى على ان الشهرة ليست دليلا على التأثير، وهي أدلة تبرهن عليها يوميا وسائل التواصل الاجتماعي، فصورة حسناء على وسائل التواصل الاجتماعي قد تحصل خلال وقت قصير على آلاف إشارات الإعجاب، لكن هؤلاء المعجبون سرعان ما يسخرون منها في سريرتهم أو في مجالسهم الخاصة وسرعان ما ينسونها، لأنها لم تترك بهم أثرا معرفيا أو جمالياً.

خلاصة القول في هذه القضية هي أن وسائل التواصل الاجتماعي وقبلها وسائل الإعلام، ليست أكثر من أدوات يتوقف تأثيرها على محتواها، لذلك فإن مشكلتنا بالأساس هي ما هي الرسالة التي نريد إيصالها إلى جمهورنا.