التغذية الصحية ركن أساسي لحماية الجسم من الأمراض، والتمتع بوزن ضمن الحدود الطبيعية عامل يلعب دورا في الوقاية من الكثير من المشاكل الصحية، ولكن يمكن ملاحظة أن الرسائل التي تصل للجمهور قد تكون مضرة بشكل غير مباشر.
هذه الرسائل التي تبثها بعض وسائل الإعلام، وبعض نشطاء السوشيال ميديا عموما، وبعض المتخصصين الطبيين خصوصا، تقول إنه للوصول لنظام غذائي صحي يجب الامتناع تماما عن أية أغذية مصنعة أو سكريات أو دهون، وأن الجسم المثالي الذي يجب أن نصل إليه هو ما نشاهده على شاشات التلفزيون وصفحات السوشيال ميديا، لمشاهير الفن والموضة والانفلونسارس.
خطورة هذا الطرح هو أن يضع وسائل غير منطقية وأهداف غير واقعية، ويُفهم الناس أن الغذاء والوزن الصحيين هو إما واحد من خيارين فقط: الأول أن يمتنع الشخص عن تناول أي من السكريات أو الحلويات ويعيش على الجزر ويصبح نحيلا مثل بعض المشاهير، والثاني أن يطلق لنفسه العنان ويأكل ما يشاء ويزداد عشرات الكيلوغرامات، فلا يوجد حل وسط!
هذه المقاربة خاطئة وخطيرة، لأنها تسبب الإحباط للناس، فالكمال مستحيل، ولا يمكن لأي إنسان في العالم أن يمنع نفسه من الأطعمة غير الصحية للأبد!
أيضا ما نراه من صور للمشاهير وأجسامهم هي غير واقعية في الحقيقة، إذ كثير من هذه الصور يتم التلاعب بها قبل نشرها في المجلات وعلى صفحات المواقع. أيضا الكثير من المشاهير خضعوا لعمليات تجميل متعددة، وهذه العمليات بالتأكيد ليست وسيلة صحية للوصول لجسد مثالي.
يجب أن تكون الرسالة التي نوصلها للناس هي الاعتدال، يمكن لك أن تتناول قطعة من الكنافة، لكن مقابلها ننصحك بتقليل وجبة العشاء إلى النصف مثلا ذلك اليوم.
أيضا في ظل حياتنا المزدحمة بالأعباء والانشغالات ليس مطلوبا منك أن تسجل في ناد وترفع الأثقال لساعتين يوميا، يكفي أن تمشي في الحي، أو أن تخرج للسوق مشيا على قدميك بحيث تمشي 30 دقيقة يوميا مثلا، وإذا سنحت لك الفرصة يمكن ممارسة المزيد من التمارين أو النشاط البدني.
كثيرون منا عندما يأكلون سندويشا من الشاورما الذي يقطر زيتا ومايونيزا يدخلون في نوبة من جلد الذات والندم والاحباط، وهذا يدفعهم لأكل سندويش ثان وثالث، والاستسلام.
لا، الاعتدال في الطعام هو الأصل، وأيضا مسامحة النفس. قد نتجاوز في بعض الأيام، وقد نشعر بالتعب في أيام ولا نحرك أرجلنا، ولكن علينا الاستمرار، والحركة وفق ما نستطيع. كل خطوة نخطوها تنعكس إيجابيا على صحتنا.
من الضروري أيضا التأكيد على أن الانتباه إلى أرقام سكر الدم والضغط ودهنيات الدم مهمة للغاية، فقد يكون الشخص ذا وزن طبيعي، ولكنه يعاني من الكوليسترول في الدم، وهذا يجعله معرضا لمشاكل الشرايين والسكتات القلبية والدماغية.
بعض المشاكل الصحية تتطلب علاجا دوائيا، مثل ارتفاع الضغط المستمر الذي لا يتحسن بشكل كاف رغم تعديل الغذاء أو تخفيف الوزن، أو ارتفاع الكوليسترول الذي لا ينخفض رغم تقليل الدهون غير الصحية في الطعام. وهنا يجب تلقي العلاج، فالتغذية الصحية ليست كافية في هذه الحالات.
فيما يتعلق بالتغذية والوزن يجب علينا أن نبتعد عن قول أبي فراس الحمداني «نحن قوم لا توسـط بيننا.. لنا الصدر دون العالمين أو القبر»، وليكن بدلا من ذلك شعارنا «مالا يدرك كله لا يترك جله»!.