ظهرت علوم البيانات بوصفها أفقاً مستقبلياً قبل سنوات قليلة لتعتبر محركاً أساسياً في الثورة الصناعية الرابعة، ومن أسرع الدول استجابة لدمج هذه المعرفة والمهارات المرتبطة بها كانت المملكة العربية السعودية التي أقرت منهجاً يرتبط ببعض البرامج المستخدمة في تحليل البيانات، وبما أن حديثاً كثيراً تبادلناه وتجاذبنا أطرافه بهدوء حيناً، وعصبيةً أحياناً، فإن الموضوع ليس عن المناهج هذه المرة، ولكن عن فكرة الاستجابة للعصر والقدرة على اتخاذ القرارات في الوقت الصحيح.
لجانٌ تفضي إلى لجان وملفات حائرة تصبح مسؤولية اللا أحد بعد فترة من الزمن، وفي النهاية لا توجد مواعيد محددة لأي شيء لتؤول مشاريع كثيرة إلى طريق مسدود، وقبل أن يتخذ القرار في شأن ما، تجري المياه الكثيرة، ويصبح القرار، الذي لم يصدر ولم ينفذ ولم نخرج منه بدروس مستفادة، موضوعاً للتعديل وهو ما زال جنيناً لا نعلم عنه شيئاً، ويفتح الباب ذلك لمزيد من وجهات النظر، وورش العمل وجلسات العصف الفكري، والعرائض والمقالات والخطب المدوية، وفي النهاية، ما زلنا نراوح مكاننا حول مناهج نعرف أنها تقادمت، وعلى ذلك يمكن القياس على أمور كثيرة.
تتربص المؤسسات ببعضها وتتزاحم وتتداخل أدوارها، وما تفكر به الهيئات المستحدثة، تجهضه اللوائح الوزارية، وما يقوله الوزير الذي سيغادر بعد فترة لا يعلم أحد مداها، وبما يفرغها من الصيغة التعاقدية والصبغة الإلزامية، يصبح رأياً شخصياً وطموحاً وفرصة لحجز صورة جديدة على صفحات الجرائد والمواقع الإلكترونية.
التجربة والخطأ ليسا مدرسة إدارية فاشلة بالمناسبة، العالم كله يتحرك بهذه الطريقة، فكرة تداول السلطة والمسؤولية قائمة على هذه الفكرة، في الولايات المتحدة، يأتي الديمقراطيون بتفكير معين، يؤدي إلى بعض الاختلال، يجده الناس بحاجةٍ إلى تصحيح، يأتون بالجمهوريين، وهكذا وصولاً إلى حالة التوازن التي يمكن على أساسها أن تتحرك المؤسسات وأن تبني رؤاها وخططها.
يقول وزير التخطيط إن الأردن (شاطر) في وضع الخطط التي لا تتحول إلى مخرجات فعلية، فالجميع يتهيب ويتأنى، ويستشعر التربص ويفتقد التعاون والمساندة، ولذلك نفتقد التحالفات الضرورية من أجل الخروج من مرحلة التخطيط الذي يستغرق وقتاً طويلاً ويصبح غاية في حد ذاته، وحتى أنه يولد الإحباط ويغذيه، فالأردن المخطط له، كبير وواسع وراسخ وفي مكانة يستحقها، والأردن الذي نعايشه ما زال متأهباً من غير أن يحددوا له اتجاه الانطلاق وفضاءه ومداه.
العديد من الجهات مسؤولة عن قتل عقيدة الاجتهاد، فالمجتهد عرضة لجميع أنواع النقد ولا يجد من يدعمه، يمكن أن يتعاطف معه بعض الصحفيين والمدونين، أو أن ينتفعوا منه، ولكنه لا يشعر بوجود مساندة حقيقية، لا يوجد وراءه حزب ولا تحالف سياسي، والتربص يتمدد من المستويات العليا في الحكومة ويحط رحاله في الجلسات الضيقة، وكأن القاعدة هي ألا نتفق على شيء، ولماذا نتفق طالما أن صراع الفئات يولد بعضاً من المكتسبات لهذه الفئة أو تلك، ومن أجل ما تكتسبه يمكن أن تذهب بالحوار بعيداً وأن تجعله معلقاً إلى أن يتوافق مع هواها ومصالحها، وإذا لم يحقق ذلك، فليس الأمر ضرورياً ولا مستعجلاً.
بالنسبة لمتخذ القرار ومحيطه فكثير من الأمور هي مجرد أرقام، البطالة تبقى مؤشراً، مقلقاً نعم، ولكنه عمومي، فالمسؤول لا يشعر بالتفاعلات التي تجري داخل المتعطل عن العمل، والسنوات التي تحدد وفقاً للخطط، التي كثيراً ما لا تنفذ، في عمر الحكومات هي برامج معقولة المدى، ولكنها بالنسبة للمواطن المتعطل كل ما يمتلكه في حياته ووجوده.
لا نريد خططاً جيدة، ولا أنيقة، ولا ملونة، كل ما نريده أن يكون ثمة حراك وتعلم وبناء للخبرات، أي تحديات حقيقية، وليست مجرد رياضة ذهنية استهلكتنا وما زالت.