إن شرط المصلحة شرطاً أساسياً في إقامة كافة الدعاوى أمام المحاكم، أما في الجرائم الجنائية فإن أول ما يبحث فيه المحقق الجنائي (الادلة)، في من هو صاحب (المصلحة) في ارتكاب الجريمة. وفي كثير من الأحيان يستدل المحقق من أسلوب الجريمة على الفاعلين بسبب اعتيادهم على ارتكاب مثل هذا النوع من الجرائم، والحقيقة أن شرط المصلحة لا يقتصر فقط على الدعاوي والجرائم فقط، بل هي المحرك الأساسي للعلاقات ما بين الدول، فكثير ما نسمع في العلاقات الدولية، مصطلح (المصالح المشتركة)، أو (تضارب المصالح)، فهذه المفاهيم، هي المحرك للعلاقا? الدولية التي لا تحكمها المجاملات والبروتوكولات والعواطف، بل توازن المصالح.
جميع التحالفات الدولية وكذلك المعاهدات والاتفاقيات الدولية أساسها ومحركة المصالح المشتركة، سواء كانت سياسية او اقتصادية، وبالمقابل فإن اغلب الخلافات والنزاعات الدولية سببها تضارب المصالح، وهنا بيت القصيد، فمن هو صاحب المصلحة في اثارة النزاع (الروسي الاوكراني)، ومن هو السبب في محاولة افتعال النزاع بين الصين وتايون، فكما يقال اذا «عرف السبب بُطل العجب»، فمن المؤكد قولاً واحدا هي الولايات المتحدة الاميركية فعندما بدأت تشعر بتنامي القوة الاقتصادية والعسكرية لكل من روسيا والصين، وأن هذه الأخيرة تحتل المرتبة الث?نية عالميا بعد الولايات المتحدة الاميركية، بناتج محلي قدره حسب بيانات صندوق النقد الدولي لعام 2022 (19) تريليون دولار أميركي في حين أن الناتج المحلي للولايات المتحدة وحسب تقديرات الصندوق ايضاً بلغت (25) تريليون دولار، اما روسيا العدو التقليدي العسكري للاميركان فعلى الرغم من ان الناتج المحلي لها يقارب (2) تريليون فقط، فقد كانت تشهد مرحلة تعافي اقتصادي سريع، بسبب امتلاكها لكميات كبيرة من الطاقة التي تعتمد عليها اوروبا، وكانت تشهد حالة من التمدد في نفوذها العسكري في بعض الاماكن الاستراتيجية في العالم، فهذه ال?سباب مجتمعة دفعت الولايات المتحدة الى افتعال النزاع مع اقرب واطول حدود لروسيا (اوكرانيا)، بحجة انضمامها للحلف الاطلسي (الناتو)، وهي تعلم مسبقا ان الروس لن يقفوا مكتوفي الايدي، لان ذلك يعتبر تهديدا مباشرا للأمن القومي الروسي.
يبدو أن الولايات المتحدة الاميركية لم تكتف بما فعلته مع روسيا، فها هي تستفز الصين حول جزيرة تايون التي تعتبرها الصين جزءا من الأراضي الصينية، ويبقى السؤال المطروح؟، فإذا ما قبلنا أن للولايات المتحدة مصلحة استراتيجية في افتعال هذه النزاعات، فما هي مصلحة العالم من ذلك؟ بعد ان اصبحت جميع الدول تعاني من أزمات اقتصادية كبيرة، وايضا والاهم ما هي مصلحة اوروبا في معاداة روسيا؟ التي تعتبر المصدر الرئيس للطاقة والاول بالنسبة لهم، لا سيما بعد فشل كافة الحلول في ايجاد مصادر بديلة، وارتفاع كلفتها اضعافا مقارنة بروسيا، ?الغريب أن الدول النفطية كانت اكثر جرأة في عدم الانجرار وراء الضغوط الاميركية، ورفضت زيادة كميات انتاج النفط والغاز، وهاهو الرئيس الفرنسي (ماكرون)، يزور الجزائر ليستجديها في زيادة تصدير كمياة النفط والغاز لفرنسا. والخلاصة لقد اثبتت تلك الازمة أن اوروبا رغم اتحادها اضعف من أن تقول للولايات المتحدة، ليس لنا مصلحة في ذلك.
أستاذ القانون الدولي العام