بعد ظهور نتائج الثانوية العامة وطي صفحة التوجيهي، شرع الطلبة في رحلة معاناة جديدة بدأت من لحظة مواجهتهم سيلاً من الأسئلة التي تستقصي وجهتهم التي سيسلكونها في دراستهم الجامعية، والتخصصات الدراسية الذي يرغبون الالتحاق بها، وفي الأثناء يحاول الطلبة البحث عن إجابة تجنبهم دوامة الأسئلة التي تحاصرهم، وتخرجهم من معاناة وقلق الوقوف مطولاً أمام مفترق طرق لا يعلمون ما هي النهاية التي سيخلص لها أي من هذه الطرق، وما تبعات المسير في أي منها.
ويقع الطلبة تحت وقع الضغوط التي تسبب لهم التشتت والحيرة، جراء ضغوط الانصياع لرغبات أسرهم أو رغباتهم الشخصية، أو توجيهات المحيطين بهم من الأصدقاء والأقارب، عدا عن ما يتلقون من معلومات تأتيهم من وجهات عدة حول فرص العمل التي يحوزها كل تخصص جامعي. ومع تنامي البطالة ووسم معظم التخصصات الجامعية بالراكدة أو المشبعة، وعدم اتضاح حاجة السوق لبعض الوظائف تزداد لديهم الحيرة ويتعمق ضعفهم في اتخاذ القرار السليم.
وفي الغالب يذهب الطلبة إلى دراسة تخصصات جامعية لا تنسجم وما لديهم من استعدادات وميول واهتمامات، الشيء الذي يقلل من فرص التميز والإبداع، ويجعلهم يصرفون معظم طاقاتهم في مسارات خارج إطار الدراسة والتعلم، بينما في حال ذهابهم صوب التخصصات المناسبة تنمو مهاراتهم وقدراتهم الشخصية، إلى جانب بروز مواهبهم وإبداعاتهم، فتتعمق فرص تميزهم وحصولهم على وظائف غير تقليدية، فالعالم اليوم أمام حقيقة بات الكثيرون يؤمنون بها وهي أن مؤسسات التوظيف والشركات وجهات العمل المختلفة ليست بحاجة لخريجي الجامعات الذين يحوزون كما معرفيا في تخصصاتهم فحسب، وليس لديهم المهارات الضرورية للوظائف الجديدة أو ما يسمى مهارات القرن الواحد والعشرين، ولا يكونون في الغالب مبادرين ومبتكرين وريادين، يطرحون أفكاراً وحلولا جديدة، ويستطيعون العمل والتواصل في بيئات مختلفة، ويقدمون حلولاً مبتكرة لما تواجه مؤسساتهم من مشكلات أو عقبات.
إلى جانب هذه الحقيقة، على طلبتنا أن يدركوا أن العالم اليوم أصبح مفتوحا أمام الجميع ويمكن للمتميزين الحصول على وظائف وفرص عمل في إطار عولمي مرن ومنفتح، كما أن العديد من الوظائف تأثرت بشكل كبير بمستجدات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي فيستطيع الشخص العمل مع جهات عديدة وفي أماكن عدة في العالم.
مساعدة طلبتنا في اتخاذ قرارهم الأهم في حياتهم واختيارهم التخصص الجامعي المناسب يوجه الأنظار صوب قصور بات واضحاً في دور مناهج وأنشطة التعليم المدرسي في مجالات كشف مواهب الطلبة وتعزيزها، وتنمية قدرتهم على اتخاذ القرار، لذلك لم يعد التدريب المطلوب للمعلمين، أو المعايير التي تبنى المناهج الدراسية استنادا إليها مقصوراً على استراتيجيات التعليم المعتادة في الغرفة الصفية بل باتت الحاجة ملحة لتدريب نوعي للمعلمين، وتخطيط للمناهج الدراسية منسجم والتحديات التي تواجه طلبتنا في عالم متغير ومفتوح.
Rsaaie.mohmed@gmail.com