المتابع لما يجري في العديد من دول العالم من اضطرابات وحروب أهلية وعدم استقرار لا بد أن يعلم أن تلك الدول وصلت لتلك المرحلة بعد ان فقدت أحد أهم مقومات استقرار الدولة، ألا وهي ميزة (الأمن المجتمي الداخلي). وبالعادة يكون ذلك اما لأسباب خارجية او داخلية او مجتمعة، ومن الطبيعي أن يحصل ذلك عندما تفقد الدولة قدرتها على الضبط والسيطرة على أمنها الداخلي، وعلى الأغلب تصل الدولة لهذه المرحلة، إما لكونها تعاني من مشاكل بسبب فقر الدولة وضعفها الاقتصادي، او بسبب تركيبتها السكانية ذات الطبيعة العرقية والإثنية والجغرافية، المبنية على توازنات عرقية وطائفية وجغرافية غير مستقرة تصل بالدولة الى مرحلة الهشاشة، فتفقد الدولة سيطرتها وتدخل في مرحلة الصراعات الداخلية (حروب أهلية)، فتنهار الدولة وعلى الأغلب ما يكون هناك ايضا نزاعات حدودية وإقليمية مع دول مجاورة (افرازات المرحلة الاستعمارية)، فتعيش الدولة في دوامة من الصراعات والنزاعات المسلحة الداخلية، ومحاولات الانقلاب او الانفصال، وهناك عشرات الأمثلة على تلك الدول، لاسيما في أفريقيا وآسيا، ومن جهة أخرى، هناك بعض الدول وان كانت لا تعاني من اغلب تلك المشاكل، الا أنها قد تفقد او يتزعزع أمنها المجتمعي لأسباب سياسية او اقتصادية، اما بسبب ضعفها الاقتصادي، او بسبب دخولها في أزمات اقتصادية متتالية، فينتشر الفساد، وتنتشر البطالة والفقر والجريمة بانواعها، فينعكس ذلك على النسيج الاجتماعي فتتفكك الأسر، وتطغى المصلحة الفردية على المصلحة الاجتماعية، والانتماء الوطني، وهناك اسباب سياسية اكثر خطورة تعزز فقدان الأمن المجتمعي، لا سيما اذا ما تلازمة مع اسباب اقتصادية تتعلق بتركيبة النظام السياسي (الإنظمة الديكتاتورية) الأمنية القمعية، وإن صمدت، تبقى عرضة دائما للتصدع والانهيار اما بفعل عوامل داخلية او خارجية.
لقد حبى الله الأردن بنظام سياسي ملكي هاشمي متزن متسامح وحكيم، يرتبط مع الشعب بعلاقة تعاضدية، ونعلم جميعا حرص الشعب الأردني وحبه لهذه القيادة، وحرصه على عدم المساس بأمنه واستقراره ونعلم اننا الان نعيش سنوات عجاف، سببها عدم الاستقرار الجيوسياسي للمنطقة، والازمة الاقتصادية العالمية وجائحة كورونا واخيرا الحرب الروسية الاوكرانية وما تبعها من تضخم وارتفاع الأسعار، وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي أدت جميعها الى ارتفاع نسبة الفقر والبطالة وما تبعها من ارتفاع معدل الجرائم لا سيما الأسرية منها، وللأسف يبدو ان المصائب لا تأتي فرادى، فهناك حرب مخدرات مدبرة ومنظمة من قبل ميليشيات لها ابعاد سياسية تسهدفنا وتستهدف دول الخليج المجاورة لإغراق الأردن والمنطقة بالمخدرات عبر حدودنا الشمالية، ومن جهة أخرى، الشدة والحزم وعدم التهاون من قبل جيشنا العربي في مكافحة هذا التهريب المنظم من قبل تلك الميليشيات وما نشهده من حملات كبيرة تقوم بها أجهزتنا الأمنية، في مداهمة أوكار اصحاب النفوس المريضة، داخل الدولة من تجار ومروجي المخدرات رغم ذلك لا بد من أن نقرع الجرس وأن نعترف أن هناك ركودا اقتصاديا صاحبه حالة من ارتفاع معدلات العنف الأسري، و الجرائم، فالاعتراف بالمشكلة نصف الحل، فالأمن المجتمعي خط احمر لا يجوز التهاون فيه.