لا اعرف لماذا كلما اشتد علينا الحال وصعبت الظروف الاقتصادية نحيد عن إعلان الحقيقة ومكاشفة المواطنين ونوابهم بحقيقة اوضاعنا الاقتصادية، وخاصة في ضوء تزايد مطالبهم التي في كل مرة تشعرنا اننا نعيش في دولة نفطية او صناعية كبرى واننا نمتلك الرفاه والنعيم وهذا ليس صحيحا على الاطلاق.
نعم اقتصادنا قوي غير انه لا يستطيع تحمل اي نوع من انواع التسكين او الترحيل او المجاملة، وهو الان يعيش في مرحلة من الجهاد للحفاظ على المكتسبات التي حققها على مدار العشرين عاما الماضية والتي من ضمنها عشر سنوات عجاف تسببت بها الاحداث الدراماتيكية التي دارت في المنطقة والعالم، ما جعله يتحمل لمقاومتها عشرات المليارات مديونية للبقاء صامدا في وجه كافة العواصف التي واجهها في تلك الاثناء، غير ان المستهجن في كل ما يدور اليوم هو محاولات تحميله ما لا طاقة له به من مطالبات وضغوط وشعبويات ومجاملات وتذمر من هنا و هناك، ف?لاقتصاد والشعبوية بالتأكيد لا يلتقيان ولكي ينهض يحتاج الى استقرار وتفاؤل.
عند جلوسك مع مختلف الاشخاص وتلمس حالة التذمر التي يتحدثون بها والمطالبات التي يطالبونها والاتهامات التي يوجهونها تشعر للحظات بانك تود التأكد بانك تجلس مع اردنيين وفي الاردن، فتذهب بنظرك تجاه اي علامة تؤكد انك لست في دولة عربية نفطية او اقتصادية اوروبية، لما يشعرونك به بان اقتصادنا منهوب ومسروق وان الدولة مقصرة مع المواطنين في الخدمات صحة وتعليما وان المملكة تعيش حالة انهيار اقتصادي ومطالبين برفع الدخول والاستغناء عن الضرائب وتخفيضها في مثل هذه الظروف التي هم نفسهم يتذمرون من ارتفاع مديونية الدولة ويضغطون ع?ى الدولة لتشغيلهم في الجهاز الاداري المتكدس اصلا، وانا هنا لا الومهم على الاطلاق وخاصة انني وعلى مدار السنوات الماضية لم اشاهد ايا من الحكومات السابقة قد اشعرت المواطنين بحقيقة اقتصادهم وقدرته وامكانياته ولم تكاشفهم وتشركهم بالهموم والتحديات ودائما ما يذهبون الى اسهل الحلول التي اعتادوا على اتخاذها او التسكين والمجاملة على حساب الاقتصاد الذي ما عاد يتحمل ايا من تلك التصرفات.
يسجل للحكومة الحالية أنها أخذت على عاتقها أمس خيار المكاشفة، ورفضت بكل شجاعة الانصياع لمطالبات النواب في عدم رفع أسعار المحروقات، وهذا ليس لأنها تود اثقال كاهل المواطنين، غير أن قناعتها بأن التسكين والترحيل سيدفع ثمنه المواطن والاقتصاد الوطني ولو بعد حين، فهي تذهب في كل اجراءاتها الى وضع الضوابط وتلبي المطالب وفق قدرة اوضاع ماليتها العامة، في محاولة منهم لعدم زيادة العجز المتوقع ورفع نسب الدين العام الى معدلات قد لا نستطيع مقاومتها لاحقا، وخاصة اذا ما اقررنا بكل شجاعة وبعيدا عن خزعبلات البعض بان أسعار المح?وقات لدينا ما زالت ورغم كل الرفعات اقل من اسعارها العالمية.
ختاما، ليس على المواطنين الا ان يعرفوا اننا اقتصاديا ليس في افضل حال فما زلنا نعاني الامرين من تراكمات السنوات الماضية والتي فرضتها علينا الاحداث المختلفة اقليميا وعالميا، وما على الحكومة الا المكاشفة ووضع المواطنين في حقيقة الاوضاع الاقتصادية واشراكهم فيها لأنهم هم اول من سيدفع الثمن في حال بقي اقتصادنا يتجاوب مع المطالبات الشعبوية وغير المنطقية، والتي لا تتناسب مع اقتصاد ناشئ ومستهلك وقليل الامكانيات كما هو اقتصادنا، وعدم تركهم للمنظرين الذين اشبعوهم كلاما مسموما كما اهدافهم.
مواضيع ذات صلة