يشهد العالم تطوّراً هائلاً في مجال التحوّل الرقميّ، حيث تتنافس معظم دول العالم فيما بينها لتحقيق الرخاء لمواطنيها من خلال استخدام الاتصالات والتكنولوجيا المتطوّرة سواء كانت بنية تحتية أو أنظمة أو حلول مبنية على التكنولوجيا الحديثة والابتكارات، مما يتطلب توفر أعداد كبيرة من الموارد البشرية المؤهلة التي تُعد الأساس في التحوّل الرقمي،حيث تطمح تلك الدول لتحتل مراتب عليا ضمن المؤشرات الدولية حول جاهزيتها.
وعلى الرغم من آثار جائحة كورونا، وتداعيات الحرب في أوكرانيا، وفي موازاة التضخم أيضاً، فإن الموازنات الماليّة المرصودة لتعزيز التحوّل الرقميّ في الدول سواء في القطاع العام أو الخاص بمختلف تفرعاته (الصحية، المالية، الزراعية، التعليمية، الصناعية، الطاقة، المدن الذكية، وغيرها)، كبيرة جدا.
فبناءً على دراسات ومسوحات دولية، يخسر العالم 390 مليار دولار بسبب نقص الموارد البشرية المؤهلة والمتخصصة في مجال التكنولوجيا، كما ان 82% من المنظمات المختلفة من مختلف القطاعات تقول انه من الصعب جذب المواهب والاحتفاظ بها، بينما 52% من قادة التكنولوجيا يرون أن فجوة المؤهلات مشكلة رئيسية.
وعلاوة على ذلك، يقدر حجم سوق تكنولوجيا المعلومات في العالم بنحو تريليوني دولار، في حين ان حجم سوق خدمات التعهيد والإسناد بالعالم (IT/BPO)يتوقع أن يصل في عام 2025 إلى نحو 900 مليار دولار، تستحوذ دول عديدة مثل الهند، والصين، والبرازيل، ودول شرق أوروبا على معظمها وغيرها من بعض الدول، وتشمل هذه الخدمات تطوير البرمجيات، والدعم الفني، ومراكز الاتصال، وتوكيد الجودة، واستضافة المواقع، وغيرها.
وبالإضافة إلى ذلك، ومن خلال بحث بسيط على الشبكة العنكبوتية، فإن مجموع ما تحتاجه دول عديدة حول العالم يقارب الثلاثة ملايين متخصص في مجال تكنولوجيا المعلومات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك حاجة لحوالي مليون متخصص في الولايات المتحدة الأميركية وحدها، وحوالي 200 ألف في كندا، و124 ألفا في ألمانيا، و70 ألفا في السويد، و37 ألفا في هولندا، و40 ألفا في بريطانيا، و60 ألفا في أستراليا، 15 ألفا في فنلندا، وحوالي 170 ألفا في فرنسا، و12 ألفا في إيرلندا، و60 ألفا في سنغافورة.
ووفقا لدراسة بسيطة، أعلنت عنها جمعية شركات تقنية المعلومات والاتصالات في الأردن – انتاج في شهر كانون الأول من العام الماضي، فإن عدد الخريجين من الكليات ذات العلاقة بالتكنولوجيا يتجاوز ال 7 آلاف طالب سنويّاً–سجل منهم حوالي 3 آلاف موظف في الضمان الاجتماعي عام 2020–حيث اعتمدت جمعية «إنتاج» في نتائج دراستها على البيانات الحديثة الصادرة عن وزارة التعليم العاليّ الأردنيّة، علما أن مجموع عدد العاملين في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الأردن المسجلين في الضمان الاجتماعي هو حوالي 26 ألف موظف وموظفة، مما يعن? أن هناك عددا كبيرا من الخريجين الذين بإمكانهم العمل ولكن لا توجد فرص عمل لهم لأسباب عديدة منها – وذلك بحسب أصحاب ومديري شركات التكنولوجيا – أهمها ضعف المستوى المطلوب في اللغة الإنجليزية، وضعف المهارات الحياتية (التواصل، العمل بروح الفريق، الرغبة في تحقيق الذات، وغيرها)، بالإضافة إلى نقص في المهارات التقنية العملية، إلا أن هذه المهارات بالإمكان إتقانها من خلال التدريب العملي سواء في الشركات التي يتم توظيفهم فيها أو في معسكرات التدريب التقنية المتخصصة (Bootcamps)، والتي تدعمها وزارة الاقتصاد الرقميّ والرياد? من خلال جمعية المهارات الرقميّة (DigiSkills)، والعديد من الجهات المانحة.
وفي المقابل، هنالك تحديات كبيرة تواجه المجتمع تتمثل في ان معدل البطالة وصل الى 50 بالمئة بين الشباب في الأردن وفق تقديرات البنك الدولي، علاوة على ان نسبة مشاركة المرأة الاقتصاديّة متدنية، بينما تصل نسبة الاناث الخريجات من تخصصات تكنولوجيا المعلومات الى حوالي 51 بالمئة.
وهنا يكّمن الحل، فاذا تم الاستفادة من الإمكانيات التي يتيحها قطاع تكنولوجيا المعلومات، فسيتم الحد من صعود معدلات البطالة، وخصوصا بالمحافظات، وذلك لان القطاع قادر على توفير وظائف بشكل كاف، نظرا للتغيرات المتسارعة التي تطرأ على الأسواق بسبب الثورة المعلوماتية الهائلة التي يعيشها العالم، وبسبب نجاح تجربة العمل عن بعد (Remote Work)، حيث ان الأردن يتمتع ببنية تحتية جيدة، ونسبة انتشار الإنترنت في جميع المحافظات تعتبر عالية جدا مقارنة بدول أخرى في المنطقة وحول العالم.
وبناء على ما ورد أعلاه، فإن هناك طرفين بالإمكان أن يكونا من المستفيدين في حال تم العمل على تشبيكهم معا، وهما: شركات التكنولوجيا حول العالم التي تعاني من نقص حاد في الموارد البشرية المتخصصة، والشباب والشابات الأردنيين خريجي الجامعات الباحثين عن عمل، ولكن دون إضافة طرف ثالث أساسي فلن يتم تحقيق الفائدة، وهذا الطرف هو شركات تكنولوجيا المعلومات الأردنيّة سواء كانت كبيرة أو متوسطة أو صغيرة، والتي بحاجة إلى دعم استثنائي – سيتم ذكر تفاصيله لاحقا–لايقل عن دعم برامج التدريب من قبل الجهات المانحة.
مواضيع ذات صلة