كتاب

ثقافة الشكوى والاعتذار

لقد أدت العولمة الى أن تصبح جميع دول العالم دون استثناء تحت المجهر, فلم يعد هناك خصوصية لدولة ما, بل أصبح المجتمع الدولي يخضع في علاقاته الخارجية والداخلية, الى ضوابط ومعايير عالمية, يتم بموجبها تقسيم وتقييم دول العالم في جميع المجالات, وفقاً لطبيعة الموضوع وبمختلف المجالات.

لقد أصبحت المنظمات الدولية المتخصصة, الدولية والأهلية, بمختلف مسمياتها تلعب دوراً كبيراً في هذا المضمار في تقييمها لهذه الدول, وفقاً لأسس واعتبارات ومقاييس ومعايير, يتم وضعها حسب طبيعة الحال. وبالعادة تعتبر نتائج ومخرجات هذه التقييمات, مؤشراً كبيراً في مدى تقدم الدولة او تاخرها. ومن المؤكد أيضاً ان هذه التقييمات تلعب ايضاً دوراً مهماً ومؤثراً في العلاقات بين الدول, وكذلك في تاثيرها على الرأي العام الدولي اتجاه تلك الدولة.

وهذه المنظمات كثيرة، مثل منظمات حقوق الإنسان، الشفافية، محاربة الفساد..الخ, وبالعادة تكون نتائج هذه التقييمات وبلا شك انعكاساً لواقع شكل وطبيعة النظام السياسي الداخلي. وفي هذا السياق أقول إن هناك قاعدة ذهبية تعتبر المعيار الأول في ذلك, فكلما كانت الدولة (دولة قانون) تسود فيها أسس العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات, كانت الدولة الأكثر تقدما في سلم التحضر واحترام حقوق مواطنيها.

إن العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات, تعتبر جوهر العلاقة بين المواطن والدولة, وهي من أهم وسائل تحقيق العدالة. فاذا ما قصرت الدولة في القيام بأحد الحقوق, أخل المواطن بالمقابل في القيام بأحد الواجبات, وهكذا دواليك الى أن تسود الفوضى, فتسقط الدولة في براثن الديكتاتورية والفساد, وانعدام الأمان والإهمال وانتشار الجريمة... الخ.

إن من أهم الأدوات التي كفلها الدستور والقوانين للمواطن, هي حق (الشكوى), ولا أقصد هنا الشكوى بمعنى التذمر, بل هي ذلك الحق الشرعي المباح لكل مواطن, الذي يطلب أو يدافع به عن حقوقه, اذا ما تم الاعتداء عليها من قبل السلطة, والشكوى هنا في هذا المضمار نوعين: خاصة وعامة, أما الخاصة, فتتعلق بحقوقه الشخصية (منفرداً) مثل أن يعتدى أو يفرض أو يحرم أو يتجاوز, أو أن يتم التعسف عليه أو أن يهمل من قبل صاحب السلطة بما يخالف القانون, مثل: الاعتداء على حقه بالتملك والتنقل, وحقه بالتعبير عن الرأي، وأما العامة فهي تتعلق بحقوقه كمواطن, في أمور لا تهمه فقط, بل تهم عامة المواطنين في الدولة, وهنا ولتحقيق هذه المعادلة بشقيها, لا بد من توفر الوسائل التي تتيح للمواطن الدفاع عن حقوقه.

وفي هذا السياق, هناك نوعان من الوسائل, النوع الأول: ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني (المؤطرة) وفقاً للقانون مثل: الأحزاب والنقابات والجمعيات بمختلف مسمياتها, التي تستخدم كوسائل جماعية, يعبر من خلالها عن الرأي العام الشعبي حول مختلف قضايا الدولة, سواء كان ذلك بالمشاركة المباشرة في صنع القرار, أو عبر التيار المعارض.. أما النوع الثاني، فهو يتعلق بالوسائل الشخصية, التي يعبر من خلالها المواطن عن شكواه مباشرة أو عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.. وللحديث بقية.